Advertise here

هل ستوفّق إدارة بايدن بين أجندتها القديمة والتحوّلات الجديدة في المنطقة؟

15 كانون الأول 2020 17:53:00 - آخر تحديث: 15 كانون الأول 2020 19:00:53

يدخل أعضاء فريق إدارة بايدن الى البيت الأبيض وفي حوزتهم دفاترهم القديمة، وهم معظمهم من الخبراء الذين عملوا في إدارة أوباما، وشاركوا في صياغة وإنجاز الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، والى جانبها ما يجري من متغيرات حملتها السنوات الأربعة الماضي، سواء كانت متغيرات لها علاقة بالأحداث الجارية داخل ايران، فرضتها حركة الصراع بين الاتجاه الأكثر تطرفا مع الاتجاه الذي يدّعي الإصلاح، بعد خسارة الإصلاحيين الحقيقيين مواقع نفوذهم لصالح المتشددين، وعلى وقع التحضيرات الجارية في الخفاء لما بعد خامنئي، والتحضيرات العلنية للانتخابات الرئاسية في الصيف القادم التي تؤسس لما بعد روحاني، حيث يُجمع المحللون والمتابعون أن روحاني بات خارج دائرة القرار الإيراني.

الأوراق الجديدة التي تفرض نفسها على خبراء إدارة بايدن معقدة وكبيرة وليست بسيطة، واهمها على سبيل المثال التطورات التي جرت في العراق قبل وبعد وصول مصطفى الكاظمي الى رئاسة الوزراء والانفجار الشعبي واسع النطاق داخل الطائفة الشيعية، فضلاً عن الاتفاق العميق الروسي - الاميركي - الإسرائيلي الذي فتح الأجواء السورية بالكامل امام الطيران الحربي الإسرائيلي الذي أخذ على عاتقه إخراج ايران من سوريا باعتبارها إحدى الأولويات المطروحة على الاجندة الأميركية في المنطقة.

عين فريق بايدن الأخرى على إسرائيل التي احتجت على الاتفاق النووي الإيراني، ليس بسبب بنوده فحسب بل لعدم مشاركتها في إعداد الاتفاق، فنتنياهو يريد ان يكون القطب الإقليمي المقرر في الاتفاق النووي وليس تحت مظلة البيت الأبيض، وهذا ما جعله أكثر تطرفاً في معارضة الاتفاق، وأكثر نشاطا في محاولة تدميره، وفي تحديه للرئيس أوباما، وعندما اتيحت له الفرصة في عهد الرئيس ترامب حقق ما يريد مستفيدا من متطلبات سياسة ترامب لإخضاع الدول العربية واجبارها على التطبيع مع إسرائيل تحت عنوان التصدي للخطر الإيراني،  إضافة الى متطلبات الصراع في سوريا ومتطلبات الصراع في شرق المتوسط التي جعلت منه لاعبا أساسيا في تلك الصراعات.

لذلك فإن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن التي تراكم الأوراق الجديدة لا تستطيع ان تعتمد على أوراقها القديمة فقط، خاصة بعد استجابة الموقف الأوروبي لدعوة ترامب، وتحوله النوعي في الموقف من إيران وانتقاده تفلتها من تطبيق من بنود الاتفاق النووي، ومطالبته طهران بالشروع في مفاوضات جديدة على الملفات كافة، من العتبة الذرية في الملف النووي، إلى الصواريخ البالستية حاملة الرؤوس النووية، إلى التمدد الإيراني في المنطقة، بحيث ان هذا التوسع الذي تغاضى عنه الرئيس أوباما لم يكن في مواجهة الدول العربية أو إسرائيل فقط، انما في مواجه الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها في المنطقة.

كما أن نتائج الاتفاق النووي الاقتصادية صبت لمصلحة توطيد علاقة الاقتصاد الإيراني ببكين وموسكو، والقليل من الاستثمارات لصالح الدول الأوروبية، فيما خسر الاميركيون الذين انجزوا الاتفاق ودفعوا ثمنه نقدا (150 مليار دولار) لم يستطيعوا دخول الأسوق الإيرانية ولا السيطرة عليها ولا احتوائها، وبالتالي لا يستطيع الرئيس بايدن وفريقه القفز فوق هذه الخسائر التي لحقت بهم، فحساب الربح والخسارة سيكون حاضراً بقوة قبل العودة الى الاتفاق او إلى المفاوضات الجديدة مع إيران، ولا بد من احتساب مصالح المتضررين من الاتفاق كالدول العربية حلفاء البيت الأبيض الذين دفعوا أثماناً كبيرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن جراء التمدد الإيراني والسكوت الاميركي، وبالتالي على إدارة بايدن أن تنظر الى المتغير الذي حصل في الشارع العربي وفي الدور السعودي الإقليمي. 

معالجة الملف الاميركي - الإيراني- الشرق اوسطي، تقتضي برأي المتابعين من الخبراء والباحثين، ترقب الانتخابات الإيرانية في الصيف القادم، والتي قد تحمل ترتيبات لما بعد ولاية مرشد الثورة علي خامنئي وإقصاء لدور المتشددين الوسط مثل روحاني وفريقه، وترقب الانتخابات العراقية التي قد تجري على وقع استمرار الانتفاضة الشعبيةْ، قد تشكل نقطة تحول في طبيعة الدور العراقي المستقبلي في المنطقة لا سيما بعد القمة الثلاثية (مصر – العراق – الأردن) والانفتاح السعودي على بغداد، وبالتالي فإن الانتخابات العراقية والإيرانية المتزامنة سيكون لنتائجها اثر على حركة الصراع ليس في داخل العراق وايران فقط انما على المنطقة وتحولاتها، دون ان نغفل الانتخابات الرئاسية في سوريا والتي ترتبط نتائجها بحصيلة المناقشات والتسويات الجارية داخل اللجنة الدستورية من جهة، وتأثير العقوبات الأميركية على النظام وحلفائه من جهة أخرى، سيما أن المشروع الجديد المقدم الى مجلس النواب الاميركي تحت عنوان "وقف القتل في سوريا"، سوف يعمم العقوبات على كافة مجرمي الحرب في سوريا ويمنع التطبيع مع نظام الأسد وحكومته، ما يضع الموقف الروسي في حالة حرجة تجاه ضرورة التزامه مقررات مؤتمر جنيف وقرار الأمم المتحدة 2254 في حل الأزمة السورية والذي ينص على حكم انتقالي وانتخابات تحت إشراف دولي.

اذا كانت الملفات الأساسية في الشرق الأوسط تبدو في حالة انتظار، فإن النصف الأول من السنة القادمة تشكل فرصة كافية لإدارة بايدن بلورة أولوياتها بشان الملف الإيراني وتداعياته في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فذلك يعني أن كل طرف سوف يحاول مراكمة عناصر القوة لصالحه، وبالتالي فالأشهر الستة القادمة قد تكون اشهر الجمر القابلة للاشتعال والقابلة للإخماد، واي مغامرة بتوقع محدد سيكون ضرباً من التنجيم لأن اللحظات الانتقالية تجعل من الحركة السياسية خطرة والأكلاف كبيرة واكثر من المتوقع، واي منزلق غير محسوب يستجلب رد فعل غير محسوب، والركام سيتساقط على رأس اللبنانيين والعراقيين والسوريين والفلسطينيين دون ان يكونوا شركاء في الصراع.