تتشظّى الحروب السياسية المُتبادَلَة في البلد، على خلفية تشكيل الحكومة الجديدة، في شكل يجعل من تلك الحكومة وكأنها الأخيرة للبنان.
فحَجْم التفسُّخات الداخلية التي يخلّفها هذا الملف يومياً، يُثبت أن اللّبنانيين باتوا عملياً تحت رحمة من يحضّرون لأزمة فراغ طويلة تبدأ مع انتهاء ولاية "العهد" الرئاسي الحالي، أي في خريف عام 2022، مُتناسين أن الوضع الحالي يجعله ("العهد") بكامله في خانة تصريف الأعمال، إذ إن أدواته التنفيذية معطّلة في أسوأ مرحلة من تاريخ البلد، تتطلّب العمل الأقصى والأسرع والأدقّ.
معيار أساسي
وحتى إن المتقاتلين يتناسون أنه يستحيل أن تصمد "حكومة المهمّة" المطلوبة في المبادرة الفرنسية، من تاريخ تشكيلها (مهما كان)، وحتى ما بعد عام 2022، لإدارة الفراغ، إذ إن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية تغيّرت عمّا كانت عليه بين عامَي 2014 و2016، عندما سمحت لحكومة الرئيس تمام سلام بالصّمود، وبإدارة الفراغ الرئاسي آنذاك.
ففي ذلك الوقت، كان مسموحاً تشكيل حكومات لبنانية من حزبيين، ومن شخصيات محسوبة على هذا القُطب السياسي أو ذاك، وعلى هذا الأساس تمّ تشكيل حكومة سلام. بينما واقع الحال تغيّر اليوم، وما عاد ذلك مُستَحَبَّاً وفق المعايير الدولية، خصوصاً أن الإصلاحات باتت المعيار الدولي الأساسي للعمل مع لبنان، فيما "الشيكات البيضاء" التي كانت ممنوحة لسنوات وسنوات، سُحِبَت في شكل كبير.
مطبّ
ومن هذا المُنطَلَق، نجد أن أي حكومة تُشكَّل بحسب الشهوات السياسية، لن تصمد حتى عام 2022، إذ إن المطبّ الأوّل الذي ينتظرها يتعلّق بما إذا كانت ستطبّق الإصلاحات أو لا، وإلا فإن سقوطها سيكون قريباً جدّاً. فضلاً عن أن وضوح النوايا المُتبادَلَة بين الغرب من جهة، وسوريا وإيران من جهة أخرى، بعد انتخابات سوريا وإيران الرئاسية، في أيار 2021 (سوريا) وحزيران 2021 (إيران)، ستجعل من هذه الحكومة ساحة تجاذُب ومواجهة.
حلّ بعيد
شدّد مصدر مُواكِب للمسار الحكومي على أن "أي حكومة سياسية لن تصمد لأكثر من أشهر على أبعد تقدير، وذلك بحُكم الأمر الواقع. فعَدَم تشكيل "حكومة مهمّة" بالمهلة الزمنية الدولية المعلومة لعملها، وبالشّروط الدولية المعروفة لعملها أيضاً، وعلى رأسها بدء تطبيق الإصلاحات، يعني أننا لن نصل بالبلد الى عام 2022 أصلاً، إذ إننا لن نتمكّن من تجاوُز حزيران القادم بلا انهيار في تلك الحالة".
ولفت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "الحكومة المطلوبة يجب أن تُريح المجتمع الدولي، وأن تعطيه عامل الثقة، ليرتاح الداخل اللبناني، لا سيّما أن المنطقة لا تزال بعيدة من الحلول، حتى ولو جلس الأميركيون والإيرانيون على طاولة مفاوضات واحدة".
الكثير من الوقت
ودعا المصدر الى "العمل على تمرير هذه الفترة شديدة الصّعوبة، بعيداً من أي انتظارات يُمكنها أن تأتينا بعد أشهر، من خلال الإنتخابات الرئاسية السورية والإيرانية. فالأساس يكمُن باتّباع برنامج للبنان مع "صندوق النّقد الدولي"، وبالسّعي الى إدخال دولارات "كاش" الى البلد سريعاً، وإلا فلن تصطلح الأوضاع الإقتصادية والمالية، وسنكون أمام أزمات مُتراكِمَة، أبسطها عدم القدرة على تلبية الحاجات الداخلية من الطاقة الكهربائية".
وختم:"نحن بحاجة الى حكومة تتألّف من وزراء يُنتجون سريعاً، ولا ينتظرون ما يُمكن أن تؤول إليه أوضاع المنطقة. فالواقع الإقليمي شديد التعقيد، ولا يُمكن ربط الأوضاع المعيشية والإجتماعية الصّعبة للشعب اللبناني بمسارات خارجية تحتاج الى الكثير من الوقت".