Advertise here

قبل خمس سنوات بالتمام ثلاثة خبراء غربيين وروسي يراجعون انطلاقة الثورة السورية وتعثّرها

08 آذار 2019 07:25:00 - آخر تحديث: 08 آذار 2019 14:37:48

تراجعت سورية (الدولة، والنظام، والشعب، والثورة) إلى مرتبة متدنية في اهتمامات الدول والشعوب والمؤسسات الإعلامية التي كانت في طليعة البعثات والهيئات السياسية المتقاطرة إلى مناطق ثورة الفتوة التي إندلعت في مطلع العقد العاشر من القرن الحالي، وهذا يعني أن تلك الثورة التي بدأت بصيحات طلبة مدينة درعا في جنوب سورية قد آلت، بعد نحو عشر سنوات، إلى هيئة قيادة من رموز الحركات الشعبية في البلاد التي أطلقت (الثورة الكبرى) في العالم العربي ضد الاحتلال الفرنسي وانتصرت، وتحول قادتها، من سلطان باشا الأطرش، إلى ابراهيم هنانو، وعقلة القطامي، ورفاقهم الأبرار، رموزاً للنضال والشهادة في سبيل الحرية، والاستقلال في العالم العربي.
 
لا حساب في هذه المرحلة لمستقبل ومصير نحو عشرة ملايين سوري، من مختلف الانتماءات والفئات الشعبية والبورجوازية، توزعوا في جميع أنحاء العالم، حيث كبر ونما الجيل الأول منهم في هذه الغربة، وطموحه الأول أن يكتسب جنسية الدول التي استقر فيها.
 
قبل خمس سنوات بالتمام، تشارك أربعة خبراء من الغرب الأوروبي، الأميركي، والروسي، في ندوة لتقييم نتائج الثورة السورية بعد مرور نحو أربع سنوات على اندلاعها في ذلك التاريخ.
 
الخبير الأول: فولكر بيرتس (المدير التنفيذي للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية)، وكانت نتيجة خلاصة مطالعته الفقرات الآتية:
 
-  الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، تعتبر أزمة سورية أزمة إقليمية لا تريد التورط المباشر فيها.
 
-  بشار الأسد يحارب للحفاظ على بقائه، والموالون له يحاربون للحفاظ على مناصبهم ومكاسبهم.
 
-  المنظمات التكفيرية تخدم النظام، ولا تؤدي أي فائدة للثورة، بل إنها تنشر الرعب وتستجلب الكراهية لها، وقد أضعفت الثورة المسلحة والمعارضة، وجلبت الكراهية لها.
 
ويضيف فولكر بيرتس: كلما طال أمد الثورة إرتفع معدل احتمال تقسيم سورية، مع انحلال النظام الذي ولد، كما سواه من أنظمة المنطقة، ما أدى إلى اتفاقية (سايكس بيكو) وهذا ما قد يؤدي إلى سقوط أنظمة أخرى قائمة على تعدد المذاهب والإثنيات والثقافات.

ويتابع: لن يكون ممكناً التكهن بمستقبل المنطقة قبل نهاية أزمة سورية، أو احتمال توقّفها عند حد معين.

ثم يستدرك: ... وفي أي حال لن يتمكن أي فريق محارب (من النظام أو خصومه) من تحقيق انتصار عسكري، من شأنه الحفاظ على بقاء سورية في وضعها الجغرافي الراهن.
 
الخبير الثاني: نيكو لاوس فان دام (سفير هولندا السابق في دمشق – مؤلف كتاب "الصراع على السلطة في سورية".

بعد 51 سنة من استيلاء حزب "البعث" على الحكم في سورية، ها أن الحرب الأهلية الطائفية قد حصلت بدل تحقيق المساواة العلمانية بين الطوائف والمذاهب الدينية، وبدل العدالة، والوحدة، والحرية.
 
وكان النظام، ولا يزال، يعتمد على شخصيات سياسية من مختلف المذاهب تتولى المناصب الرئيسية (في السلطة والجيش) ويستند النظام إلى الولاءات الإقليمية، والقبلية، والطائفية، والمحسوبية.
 
ثم يضيف الخبير (فان دام): غير أن العنصر العلوي هو المهيمن على النظام، وهو إذ يؤمن له الدعم، فإنه يسبب له الضعف.
 
والواقع أن النظام أثبت خلال نصف قرن وحشيته وعزمه على البقاء مهما كانت الكلفة. والواقع أيضاً، أن الخارج (المجتمع الدولي) تجاهل حقيقة الوضع السوري.
 
ويكمل: لا حل لأزمة سورية إلا بتقاسم السلطة.
 
ثم يستدرك: لكن إذا تمت الإطاحة بالنظام، فلا يبقى على قادته إلا انتظار صدور أحكام بإعدامهم، وسيكون هناك خطر على شخصيات علوية ساندت وتساند النظام.
 
"... ولذلك، يبدو الأسد غير مستعد لتوقيع حكم بإعدامه...".
 
... لكن موافقة الأسد على تسليم الأسلحة الكيماوية منحه إعادة اعتراف به من الولايات المتحدة الاميركية، وغيرها، بعدما كانت قد أصرت على عزله، ثم تراجعت عن تهديدها بتدخل عسكري (وقد تدخلت فيما بعد)...
 
وهذا ما أعطى الأسد دفعاً للصمود، وسوف يستمر لزمن طويل، بعد اندلاع حروب بالوكالة سمحت لجميع القوى الخارجية بالتدخل.
 
الخبير الثالث: نيكولاي كوز هانوف: (روسي محاضر في الاقتصاد السياسي – جامعة سانت بطرسبورغ – خبير في معهد الشرق الأوسط في موسكو:
 
كان الخبراء الروس يعتبرون سورية إحدى أكثر الدول استقراراً في الشرق الأوسط، وشعبها ليس ميالاً إلى العنف، لكن مع "الانتفاضة" ضد نظام بشار الأسد غير الديموقراطي بدأت وسائل الإعلام الروسية تتحدث عن الوضع الذي تحول إلى حرب أهلية، وقد حدث ذلك لأسباب عدة.
 
الآن لم يعد الخبراء يستعملون مصطلح الثورة لأن النزاع تحول صراعاً بين الطوائف والمذاهب، وقوميات وإثنيات.

الآن يجد الخبراء الروس أن النزاع في سورية لم يعد سورياً لأن الأعمال العدائية قسمت حدود البلاد بين العراق ولبنان، وصار النزاع حرباً بالوكالة بعدما تدخلت فيه دول من الغرب، وروسيا، ودول إقليمية. ويرى الخبراء الروس أنها معركة من أجل النفوذ في المنطقة.
 
ويعتبر الروس أن تدخلهم في سورية هو محاولة للثأر من الأميركيين الذين لم يأخذوا برأي موسكو حيال الوضع في يوغيوسلافيا عام 1999، وفي العراق، عام 2003 وفي ليبيا عام 2010.
 
وثمة مخاوف روسية من تطورات الوضع في سورية التي تتحول إلى جبهة لـ "الجهاد العالمي" الذي سيعيد عناصره إلى بلدانها للعمل على زعزعة استقرارها.
 ويختم كوزنا هوف مداخلته:

والواقع أن الحرب في سورية وصلت إلى حائط مسدود. فهذه الحرب طويلة، والشيء الوحيد الذي يمكن قوله هو أن سورية التي عرفناها منذ عقود رحلت إلى الأبد.
 
الخبير الرابع: ريموند هينبوش:
كل المصطلحات لوصف النزاع في سورية تشكل مزيجاً خطيراً... فأسباب الأزمة حالياً تعود في الأساس إلى الفشل في بناء دولة. فالامبريالية أنشأت كيانات اصطناعية شكلت دول المشرق، ورافق ذلك حرق الهويات المهيمنة لدى شعوب المنطقة.

فالبيروقراطية، مع استخدام الوفرة الريعية، والزبائنية خلقت أزمات إقتصادية...
 
...لكن لماذا فشلت "الانتفاضة السورية"؟

يطرح الخبير هينبوش السؤال، ثم يجيب:

لو تبنى بشار الأسد العروض الإصلاحية لكان تفادى الانتفاضة، لكنه بدلاً من ذلك ذهب إلى الخطاب الطائفي ضد الإرهاب، فتحول النزاع طائفياً.

ثم يضيف: التدخلات الدولية والإقليمية فاقمت الأزمة، وجعلت سورية ساحة معركة بين قوى دولية وإقليمية وبين ما يسمّى "محور الشيعة"، و"محور الكتلة السنيّة المعتدلة الموالية للغرب".

ويتابع: ما يمكن إستخلاصه من عبر سورية هو ما ظهر من هشاشة الدول المتصدعة. إذ يسهل زعزعة استقرارها، ويصعب جداً إعادة جميع مكوناتها من جديد.
 
كل تلك الأحداث والآراء والنتائج جرت قبل خمس سنوات بالتمام... فهل يتابع الخبراء الأربعة تقييم التطورات والنتائج الخطيرة التي بلغتها محنة سورية حتى اليوم؟...
 
فعلى أي (...) سوف تستقر سورية؟
 
خلاصة هذا التقرير نشرت في جريدة "الحياة" يوم 15/3/2014.