إلى جبران تويني: سنستعيد لبنان الذي حلمت به!

12 كانون الأول 2020 20:28:42

لم يسبق أن أتاحت لي الظروف أن أروي تجربتي مع الشهيد جبران تويني الذي سقط دفاعاً عن لبنان والحرية والديمقراطية في 12 كانون الأول 2005، وتلك كانت سنة الاغتيالات البشعة التي اعتُمدت من قبل أنظمة وقوى الظلام لإسكات أصوات الأحرار.

 تعرّفتُ إلى جبران تويني عند إطلاق مشروع "نهار الشباب" في مطلع التسعينيات، وهو ملحق شبابي كان يصدر مع "النهار" لتسليط الضوء على القضايا التي تشغل بالهم وتقلقهم وما أكثرها منذ ذلك الوقت. فالبلاد كانت خارجة للتو من أتون الحرب الأهلية المقيتة التي إستمرت لأكثر من خمس عشرة سنة ودمرت البنى التحتية والمرافق والاقتصاد والمجتمع، ولكنها دمرت أيضاً معنويات الشباب وتطلعاتهم نحو المستقبل في مواجهة موجات الهجرة التي كانت تتسع في حقبات وتخفت في حقبات أخرى.

كان جبران متحمساً جداً للمشروع ويريد استقطاب أوسع شريحة ممكنة من الشباب في المدارس والجامعات والأندية المناطقية والمنتديات وسائر الأطر التي يمكن من خلالها التواصل مع الشباب والتفاعل معهم ومنحهم المساحة الصحافية التي يحتاجون إليها للتعبير عن آرائهم السياسية وغير السياسية (طبعاً قبل اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي لكل أسس المجتمع).

 وكنتُ طالباً في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت تغمرني الحماسة للقراءة والكتابة في المجال السياسي، فوجدتُ في منبر "نهار الشباب" مساحة حرة للتعبير عن الرأي وإجراء التحقيقات الصحافية (وكانت تلك الحقبة أيضاً بداياتي الصحافية)، فباشرتُ العمل وزودتُ الملحق تباعاً بعدد وافر من التحقيقات وبعضها تصدر الصفحة الأولى، بالإضافة إلى مقالات الرأي التي كنتُ أعكس فيها رؤيتي للملفات السياسية المطروحة آنذاك.

وأذكر التجربة الرائدة التي نظمها الشهيد جبران بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري (ولم يكن قد مر أكثر من عامين على توليه رئاسة المجلس النيابي)، وسماها آنذاك "نائب ليوم واحد"، بحيث جلس مندوبو "نهار الشباب" في القاعة العامة للمجلس النيابي وتناوبوا على طرح الأسئلة على الرئيس بري (وكنتُ أول السائلين)، وبعضها كان محرجاً وصعباً، ولكن رئيس المجلس يدرك مذذاك كيف يُخرج الأرانب من أكمته!

كما أذكر ذاك المهرجان الشبابي الكبير الذي أقامه جبران في ساحة الشهداء وكانت لا تزال مدمرة ولم تنطلق أعمال ترميمها بعد، بحيث كرّم أعضاء الفريق الذين كانوا الأكثر كتابة ونشاطاً (وكنت أحدهم) وزودهم بمجموعة كتب من إصدارات دار النهار (كم هو محزن إغلاقها) وشهادات تقدير تحمل توقيعه وتوقيع عميد الصحافيين الراحل غسان تويني.

  ولكن بمعزل عن تجربتي الخاصة مع الشهيد جبران تويني، ثمة مرتكزات لا يمكن للمرء أن يتجاوزها في أي استذكار لمسيرته الصحافية والسياسية وهي أنه كان علماً من أعلام الحرية في لبنان، ناضل من أجلها واستشهد في سبيلها. حافظ على "النهار" ونقلها إلى عالم الحداثة وأبقى على دورها كمنبر حر ومساحة للتعبير عن التنوع اللبناني، التي هي سمة هذا الوطن الجريح.

تحدى قوى الظلام بالقلم الحر، وهو القلم الذي حمله وهو يقف إلى جانبنا في الاعتصام الصحافي الصامت استنكاراً لاغتيال رفيق دربه الصحافي والباحث سمير قصير. كان ذلك الاعتصام أيضاً في ساحة الشهداء، الساحة التي صدح صوته فيها يعلن قسمه الشهير، داعياً اللبنانيين ليبقوا موحدين إلى أبد الآبدين...

عذراً جبران، لم نستطع أن نبقى موحدين بسبب عبثية البعض ورهانات البعض الآخر، ولكن سيأتي اليوم الذي نستعيد فيه لبنان السيد، الحر، المستقل... كما حلمت به واستشهدت من أجله.