تستكمل مفوضيتا الثقافة والشباب في الحزب التقدمي الاشتراكي سلسلة الندوات والإضاءات الفكرية التي تنظّمها لمناسبة الذكرى الثالثة بعد المئة لميلاد المعلم الشهيد كمال جنبلاط، عبر تطبيق "zoom"، حيث كانت إطلالة لنائب رئيس الحزب للشؤون الخارجية، المحامي دريد ياغي، عرض خلالها لمسيرة ورسالة المعلّم الشهيد كمال جنبلاط النضالية، وذلك بحضور حشد من الحزبيين من مختلف المناطق.
أبو ذياب
استُهلَّت الندوة بترحيبٍ من مفوّض الثقافة، فوزي أبو ذياب، لافتاً إلى أن ياغي كان من المقرّبين من المعلّم الشهيد كمال جنبلاط في مراحل عديدة، واستمرّ مع رئيس الحزب وليد جنبلاط، وكان صوت الحزب في الخارج، وعلى يده أصبح الحزب عضواً في الاشتراكية الدولية.
ياغي
من جهته، المحامي ياغي أكّد أنه اجتمعت في شخص المعلّم كمال جنبلاط ميزات كثيرة، وكانت تنطلق من بُعدٍ وطني، وقومي، وإنساني. فهو، ورغم معرفته بحجم المصاعب يوم تأسيس الحزب، مضى في مسيرة التحدّي والإصلاح بعزمٍ لا يلين رافعاً راية الحرية، والمساواة، والمعرفة. أمّا وطنيّته فكانت ثابتة، وعروبته إنسانية صادقةً وملتزمة، فوقف في وجه كل المشاريع الداخلية للتقسيم، وفي وجه الأحلاف الأجنبية والعربية المشبوهة، وساعد حركات التحرّر في مصر، والجزائر، وفلسطين، والعالم. ولم يدع وسيلةً إلّا وسلكها، فكان مبدعاً في ابتكار شُعَل النضال في جبهاتٍ شعبية وسياسية تهدف إلى الدفاع عن لبنان وشعبه. حارب الفساد والاستبداد، ودافع بصلابة عن الحريّات، ووقف إلى جانب العمال والكادحين، ونشر العلمَ في لبنان، وكان هدفه الدولة المدنية العادلة.
ولفتَ ياغي إلى أن مروحة النضال الإنساني في حركة المعلّم الشهيد توسّعت لتشمل شعوب العالم في كفاحها التحرري، فكان رائداً في تأسيس العديد من المنظّمات الإقليمية والدولية، وكان ناشطاً ورائداً في الاعتراف بعددٍ من الثورات، وفي مقدّمها الصين، وكوريا، وفيتنام وغيرها.
وأشار إلى أنّ المعلّم كمال جنبلاط كان يعتبر أن الحزب رسالةً لا تنزوي، ولا تتقلص، عن المعرفة الدائمة، ولا تضيق بها بل هو إطار من الاتجاهات الكبرى للتفكير البشري، والتحديث الإنساني عن الحقيقة في كل شيء، وأن الاشتراكية هي القالب الاقتصادي للتقدمية الجماعية، وهي النتيجة لتبنّي الحزب لفكرة التطوّر على إطلاقه. كما أن الديمقراطية التي يقول بها الحزب هي ديمقراطية شعبية تؤلف بين شتات الحقيقة، وتجمع بين النقيضين كالنظام والحرية، أو الأخلاق والقانون. فالديمقراطية لا تتكوّن دون أخلاق وإعلامٍ صادقٍ، ورأي عام سليم.
وأشار ياغي إلى أنّ المعلّم الشهيد كان يردّد دائماً بأن التوزيع الطائفي غير الواقعي هو الذي يشكّل العائق الأساسي في ممارسة الديمقراطية.
واستذكر ياغي ما قاله المعلّم عند افتتاح أول مركزٍ رئيسي للحزب في بيروت عام 1950، "إنّ الذين أصابتهم لعنة الأرض منذ 3000 سنة حتى اليوم، هم الذين سيبدّلون أنظمة هذه الأرض وروحيّتها. سيبدّلون اللعنة بالرحمة، والمجافاة بالأخوة والحنان. إن العمال ليسوا بحاجةٍ إلى أحد. إنّ هؤلاء البؤساء والمرشدين الذين ليس على صدورهم قميص، هم الذين سيحرّرون العالم".
وانطلاقاً من فكر المعلم وتعاليمه، أكّد ياغي أن الحزب التقدمي الاشتراكي ملتزم التزاماً قوياً بهذا الفكر، وأنّ رفاق كمال جنبلاط كانوا، وسيبقون، أوفياء لهذا الفكر، وعليهم اليوم وفي خضمّ ما يعانيه لبنان من أزمةٍ حادة في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، أن يصمدوا ويواجهوا بكل شجاعة مشاريع الفتنة والكيد التي تهدف إلى تهديد الكيان اللبناني، لأنهم بذلك يحفظون الأمانة.
وتطرّق ياغي للحديث عن الوضع اللبناني الراهن، فشدّد على ضرورة تشكيل حكومة المهمّة في أقرب وقتٍ ممكن. وهذا مرتبطٌ بالمبادرة الفرنسية التي هي الملاذ الوحيد، فضلاً عن القيام بالإصلاحات المطلوبة والتي أجمع عليها المجتمع الدولي والشعب اللبناني، معتبراً أنّه لا يمكن أن تكون إصلاحات ولا عدالة إلّا بقضاءٍ مستقلٍ لا بشبه "قضاء غب الطلب".
وأضاف: المطلوب أيضاً الشروع فوراً، وإثر تشكيل حكومة المهمّة بمراجعة الهيئات الدولية المعنيّة بعد إقرار خطة اقتصادية محكمة، ووقف الهدر والتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، مشيراً إلى أن جريمة العصر، المتمثّلة بانفجار المرفأ لا يمكن أن تستمر آثارها ومفاعيلها حتى اليوم، سيّما وأن أحداً لم يحرّك ساكناً.
وتناول ياغي أيضاً حياته الحزبية منذ دخوله مدرسة المعلّم كمال جنبلاط، وبعض المحطّات المضيئة في تلك المرحلة، معلناً عن صفحةٍ ناصعة في تاريخ الحزب الذي سقط له أعداد من الشهداء في مواجهة العدوان الإسرائيلي في الجنوب آنذاك، كونه كان في طليعة المقاومين لهذا العدوان، وكون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وكان للحزب شرف مقاومة العدو في عقر داره، فدخل مقاومو الحزب إلى فلسطين عبر الأردن عام 1968، ولبّى نداء الواجب..
ولفت ياغي إلى أنّ الحزب، وبعد استشهاد المعلّم، أكمل المسيرة النضالية، ولا زال مع الرئيس وليد جنبلاط.
وختم ياغي بالتأكيد على أن الحزب التقدمي الاشتراكي وقف، وسيقف، في كل مرة في وجه من يهدّد وحدة لبنان، وفي وجه من يدفع بلبنان إلى الفتنة وسياسات الكيد. فالنضال هو قدر هذا الحزب، وهو لن يتخلى عن مسؤولياته وعن وفائه للمعلّم كمال جنبلاط.
حوار
بعدها أجاب ياغي على أسئلة المشاركين التي تمحورت حول بعض الأمور التنظيمية الحزبية الداخلية، وحول الإرث التاريخي لفكر المعلّم كمال جنبلاط، ومسيرته النضالية في شتى المجالات، والتصاقه بالمجتمع واحترامه للإنسان، وتعاطيه مع الطبقات الكادحة.
كما كانت أسئلة حول الوضع الراهن في لبنان، وإمكانية التغيير، وإيجاد الحلول للأزمات المتتالية.