الوطن هو لنا، ونحن له. وهو كالحياة
ليست ملكاً لك. بدأتْ قبلك، وستبقى بعدك، لذا لا تنزعج حين تُحاط بمن لا ترغب، فلمْ تُخلق لإرضائهم، ولم يُخلقوا ليسعدوك.
بعد سفينة الدمار، لا بل قبلها، أغرقتنا سفينةٌ محملةٌ بعنجهيةٍ وتعالٍ، وتجاهلٍ وتكبّرٍ، وانقسام، ومحاصصةٍ، وطائفيةٍ، وأحلام، وكوابيس. نعم أغرقتنا وأعملت فينا الكثير.
خرّبت البيوت، وشرّدت الأسَر، وأقفلت مؤسّسات، وأفلست مؤسّسات، وأثارت النزعات الطائفية، ومزّقت النسيج الاجتماعي، ولم تترك شيئاً إلّا ودمّرته. خرّبت الكثير من المؤسّسات العامة، وضيّعت طريق بناء الدولة، وأضاعت الوطن، كما أضاعت الحكمة التي نتحدّث عنها كثيراً!
وبعضهم يرى أنّه يمتلك الحقيقة، وكلّهم يجزم أنه الأحقّ والأجدرُ بتسلّم القيادة، ولا يرى في المرآة إلّا نفسه، وبيده وحده الحل. وبهذه العقلية أغرقوا الوطن، وقادوه إلى حتفه.
العفو منكم... وأنا أكتب، انتابتني نوبة ألمٍ ويأسٍ جارفة. اختفت الكلمات ووقفتُ لأتذكّر بفكري شريط الأزمات التي وصلنا إليها في بلدنا. بلد "الرسالة، والوحدة، والتعايش، بلد الحياة"،
كما يحلو لنا تسميته. تذكرتُ في طفولتي حيث كنا نقطن، أنّه في حديقة الجيران كان يتجمّع أهل الحي ونشاهد صراع الديكة، والصيحات بين مؤيدٍ لديكٍ أحمر، وديكٍ رمادي والريش يتطاير هنا وهناك.
القصة تحكي واقع وطننا، وتصوّر مشاهد من غطرسة الديَكة، وحواراتهم، وجشعهم، ونزواتهم. فبادرت إلى نسخ مقتطفات غير مزعجة منها، واستعرتها من ذاكرتي لتقوم بمقام الخربشات التي يمكن أن أكتبها، فهي أصدق تعبيرٍ عن بعض الديَكة التي عبثت، ولا تزال تعبث، في وطني.
ويبقى، مَن هم الديكة؟ بعض الممسكين بزمام البلد والسياسة هم ديوك (من تيارات، وأحزاب...) يصرخون، ويصيحون كصياح الديكة، وكلهم ضيّعوا الوطن، وأتعبوا الأرض والانسان، حتى أنّهم من تنافرهم، وأعمالهم، وإهمالهم، قطعوا سُبل العيش الكريم.
نعم، كيف سيأتي الغيث إلينا؟؟
كيف سينمو القمح؟؟
وكيف يفيض علينا الخير، وتغمرنا البركة؟؟
هذا وطنٌ لا يحكمه اللّه وحده عزّ وجل.
ولكن تشارك بالتحكّم فيه بعض الديكة التي تتصارع فيما بينها، والمسحوق هو المواطن...
ولو يتأمل المؤتمنون على القرار قليلاً، لوجدوا لربما الفرصة متاحةً، والحاجة ماسةً لعقلانية الحوار، كما هي حاجتنا للماء والهواء قبل الاختناق...
باختصار، لو نظر الديكة كلٌ للآخر بكونه مختلفاً في لونه، وريشه، ووثبته، وصياحه، لاختصروا الطريق، وتجنّبوا التشرّد والضياع، ولجنّبوا المواطنين والوطن ويلات الكوارث.