Advertise here

لقاء لمفوضية العدل في "التقدمي".. "بين حصانة المحامي واستقلالية القضاء تتحقّق العدالة"

07 كانون الأول 2020 21:48:45

نظّمت مفوضية العدل والتشريع في الحزب التقدمي الاشتراكي، لقاءً بعنوان، "بين حصانة المحامي، واستقلالية القضاء، تتحقّق العدالة"، عبر تطبيق"zoom"، وتحدّث فيه رئيس مجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة سابقاً، القاضي الدكتور غالب غانم، ونقيب المحامين سابقاً المحامي والنائب الأول لرئيس حزب الكتائب اللبنانية، الأستاذ جورج جريج، بحضور عضو مجلس نقابة المحامين الأستاذة ندى تلحوق، والمرشّح لعضوية النقابة الأستاذ خالد العماد، وعضو مجلس القيادة المحامي نشأت الحسنية، وعدد من المحامين.

اسماعيل
بدايةً، تحدّثت مفوّضة العدل في التقدمي، المحامية سوازن اسماعيل، فقالت: "في خضمّ الانهيار يبرز الفلتان والتفلّت، ويعمّ الفساد في إدارات الدولة على كافة مستوياتها، حتى أنّ العدالة والقيّمين عليها من المحامين والقضاة باتوا في مرمى من يحقّرهم ويذلّهم، ويتطاول عليهم".

أضافت: "لكَم كان القضاء الملاذ الأخير، كما وصفه المعلّم الشهيد كمال جنبلاط. ولكَم كانت المحاماة رسالة النبلاء في الدفاع عن الحق ونصرة المظلومين على الظالم، وهي المهنة المترفّعة عن الشبهات، نرى اليوم من يحاول تهميشها واستبعادها، وكلّ ذلك بقصد النيل من العدالة. حقاً، إذا فَقدَ الشعب ثقته بقضائه فُقدَ الوطن، وإذا سقط أحد جناحَي العدالة، المحامون أو القضاة، سقطت العدالة، وبسقوطها يسقط ما تبقّى من الكيان اللبناني، وعلى الدنيا السلام".

تابعت اسماعيل: "لم أتفاجأ للحظة بالواقع الذي نحن عليه، لأن العهد كان سباقاً في ابتكار المصيبة تلوَ الأخرى، والكارثة وراء الكارثة. والانهيار إذا ما بقينا على ما نحن عليه هو حتمي. لكنّ بارقةَ أملٍ تشعّ  في عيوننا دائماً عندما نستذكر أن بيروت أمّ الشرائع، وشمس العدالة، ومهما حجبتها غيوم الباطل لا بدّ لها أن تشرق من جديد، طالما هناك قاضٍ يطرق بمطرقة الحق ليصوّب طريق الاعوجاج، وهناك محامٍ يصدح في قاعات المحاكم منادياً بإحقاق الحق".

وأشارت إلى أن، "مداميك الدولة البوليسية التي يبغونها بدأ انهيارها بإقرار التعديلات على المادة47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وأن محاولة الالتفاف على التعديلات التي أقرّها مجلس النواب على المادة المذكورة بموجب مذكرة إدارية صادرة عن مدير عام قوى الأمن الداخلي لناحية التوقيف الاداري، هو مخالفة جوهرية لقانون أصول المحاكمات الجزائية، وتعدٍ فاضحٍ على حقوق الإنسان، وتهميشاً لدور القضاء، وخصوصاً النيابات العامة الموجودة على جميع الأراضي اللبنانية، إذ أن إعمال هذه المادة يتيح لعناصر قوى الأمن الداخلي التملّص من رقابة القضاء، صاحب الحق الوحيد في التوقيف أو عدمه، لتمارس مزاجيتها على المواطنين. مما يقتضي أن يكون هناك موقفاً صريحاً وواضحاً من القضاء تجاه  المادة 47 وتفعيلها".

غانم
بعدها تحدث غانم، أكد ان "الهوّة تتسع بين النّاس والسّلطة، وبينهم وبين السياسة والإدارة والقضاء وسائر المؤسّسات، وبينهم وبين الرّجاء. لم تعُد تنفع بيانات ولا خطب ولا شعارات ولا مشاريع، وقد لا تكون النصوص القانونيّة ذاتها نافعة. كذلك اتّسعت بين النّاس وبعض المصطلحات، كحكم القانون، وشنّ الحرب على الفساد، والمساءلة وخصوصاً الشفافية... تلك الكلمة المهَفهَفة الجسد والروح، التي أطلقها الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران كبَيرقٍ من بيارق الحكم الصّالح. تلك الكلمة التي يمكن النّظر إليها "على أنّها مسلك يوحي بالثّقة، ينتهجه كلّ عاملٍ في في الحقل العام (أو الخاص) فلا يُخفي غيرَ ما يُظهر ولا يصطنع المواقف المموّهة لتبرير أعماله، ولا يخشى كشف الحقائق ومراقبة القانون، ويفتح أمام المَلَأ أبواب التقييم، ويفتح أبواب المساءلة أيضاً".
واعتبر ان "من دواعي الأسف البالغ أنّ ما حمله هذا التّحديد من أركان يتناقض تناقضاً صارخاً مع ما حصلَ ولا يزال يحصل في لبنان، إنْ في شطرات زمنيّة غير بعيدة، وإنْ في الحقبة الرّاهنة من الحقب الأكثر تجهّماً في تاريخه المعاصر".

واشار الى ان "أوّل وجوه التعارض بين مدلول الشّفافية والواقع السياسي اللّبناني – في الغالب، وفي أزمنة متلاحقة – هو توسُّل كلّ ألوان "الذّكاء" "والشّطارة" والتّمويه لرسم الموقف السياسي من صورة القضاء المنشودة. يلي ذلك، في المرتبة والتّأثير، ثقافة استقلال القضاء في أذهان أهل السياسة. ثقافة المسافة، أو الفاصل، أو الإختلاف، أو الدور بين السياسي والقضائي. وفي المرتبة والتّأثير أيضاً، الثقافة الثالثة، وهي ما أسمّيه ثقافة المجتمع القضائية. ما طبيعة المهمّاة الملقاة على عاتق القاضي، وما قدراته وحاجاته، وما المشاقّ التي يعانيها، ومتى يُكافَأ ومتى يُحاسَب، وما حدود العمليّة النقديّة التي تتناول القضاء وما أثرُها على المهابة التي يتحتّمُ أن تصبّ في مصبّ العدالة؟ 

ولفت الى ان "هذه الثقافات الثلاث لا تقدّم حلّاً وافياً للمعضلة. معضلة تفكّك الدولة وتعدّي أوصالها المفكّكة على أرض القضاء، وافتخارِها، ما وراء الأسترة وما وراء أوجاع النّاس، بثقافة شيطانية هي ثقافة الفساد". 

اضاف: "ما خريطة الطريق الفُضلى للوصول إلى قضاءٍ "أكثر" وفسادٍ "أقلّ"؟ هل بإعادة النّظر في كيفيّة اختيار القضاة، وفي كيفيّة اختيار مجالسهم العليا، وإيلاء هذه المجالس الإستقلال المالي والإداري؟ بتقليص المحاكم الإستثنائيّة أو تقليص صلاحيّاتها على الأقلّ؟ بإلغاء الطائفيّة في المناصب القضائية؟ ببلورة استقلال السلطة القضائية عن خدينتيها الدستوريّتين من خلال إصدار قانون يحسم هذا الجدل الذي يبدو وكأنّه أشبه بأزمة الشرق الأوسط؟ كيفما قلّبنا المقولة الأخيرة فالمسألة تبقى أبعد من إصدار قانون. وقد يصدر لأنّه يشكّل طرحاً ضاغطاً، أو "كابوساً" يجعل معارضيه يقعون في الحياء إذا جاهروا بمعارضته".

وختم: "المطلوب أخيراً، في موازاة معالجة المسائل المطروحة بكامل الجديّة، استدراكاً للأعظم، هو ثورةٌ قضائية مجلّلة بالحكمة. ثورةٌ تقضي على كلّ متطفّل، وكلّ من يغزو أرض القضاء. ثورةٌ توقظ أيّ قانون هاجع، وتسبق أيّ قانونٍ منتظر. أجل! ثورةٌ قضائية على الذات، وعلى كلّ الأشباح التي تعكّر صفاء رؤيتها وتحاول تلويث قراراتها، في حين أنّها الأقوى، يا ليتَها تدركُ ذلك!".

جريج
بعدها، تحدث جريج، فقال: "ليس صدفةً أن يطرح محامو الحزبِ التقدمي الاشتراكي بين استقلالية القضاء وحصانة المحامي تتحقق العدالة، فالاولى مغيّبة والثانية مهددة، الاولى محجوزة والثانية محجورة، الاولى محجوزة لخدمة السياسة، والثانية محجورة لمنعها من تفشي ثورتها ضد الفساد وأخواته، ضد المحاصصة وأنسبائها، ضد المخالطة بين الصالح العام والمصالح الخاصة، لكن فاتهم ان مجلس قضاءٍ متحدياً ومجلس نقابة متحداً قادران معاً على قلب الطاولة ومواجهة السلطة السياسية بالغاً ما بلغ جبروتها، وحفظ المادة 20 من الدستور التي تجعل القضاة مستقلين، والا نصبح أمام انتحال صفة  باصدار احكام وتنفيذها باسم الشعب اللبناني".

اضاف: "أراهن على مجلس القضاء الاعلى وعلى نخبة من القضاة لكسر معادلة "ان استقلال القضاء في لبنان وَهْمٌ، لان القضاء مجرد اداة بيد السياسيين يتدخلون فيه غبّ الطلب"، والكلام ليس لي بل لاحد رؤساء مجلس القضاء الاعلى سابقاً وراحلاً ومعيناً اصلاً بتدخل سياسي. وأراهن على العشرة آلافِ محام لنزع القيود التي ترسم للحريات، وفضّ الاصفاد التي تكبّل الفكر وتحوّل لبنان الكبير الذي نعيش مئويته الاولى، ورمزاه الكبيرانْ في جبل الشوف كميل وكمال، الى وطن أقزام تحكمه أنظمةٌ أمنيّةٌ وعقولٌ مُتَخَلِفَةْ"، مضيفا كما "أراهن على المحاماة كرسالة للدفاع عن الحق الخاص والعام، وكوظيفة تهدف الى استخدام القوى النافعة للانسان، كما يقول البروفسور پالمر (Palmer)". 

وأشار الى ان "محكمة الاستئناف رَدَّت بالشكل استئناف طلب ملاحقة محام لتوجيهه ضد نقيب ومجلس نقابة المحامين لانتفاء صفة هؤلاء. فاستئناف قرار حجب الاذن بالملاحقة ولو كان صادراً عن مجلس النقابة، لا يجوز قانوناً التقدم به الا بوجه المحامي المطلوب ملاحقته".

ولفت الى ان "الحصانة لا تغطي المحامي في العبارات المدلى بها مثلاً في ندوة تلفزيونية لخروجها عن اطار الرأي القانوني ولكونها افعالاً غير ناشئة بمعرض ممارسة المهنة". 

واشار الى ان "اعطاء مجلس النقابة الاذن بالملاحقة الجزائية ليس تجريماً للمحامي بل لافساح المجال امام القضاء للتحقيق وتحديد ما اذا كانت الافعال المنسوبة اليه تشكل جرماً جزائياً، وان مسألة اثبات توفر الجرم الجزائي وعناصره يكون امام القضاء الجزائي وليس امام مجلس النقابة او محكمة الاستئناف الناظرة استئنافاً بالطعن".

اضاف: "المحاماة هي مهنة ينظمها القانون وتهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عنه. ولهذا، تمنح من يمارسها الحقوق والحصانات والضمانات التي ينص عليها قانون تنظيم المهنة وهي حق لصيق بالكيان المهني للمحامي، والتنازل عن الحصانة لا يملكه المحامي الفرد بل يعود حصراً لمجلس النقابة. 

واكد ان "حصانة المحامي تفترض حكماً رصانة لديه وسلوكاً لا يرقى اليه اي شك، والا يتعرّض للملاحقة التأديبية أمام المجلس التأديبي التابع لنقابته بمبادرة من نقيب المحامين أو بناء على شكوى أو إخبار مقدم له. ولا تجوز إحالة محام على مجلس التأديب إلا بعد الإستماع إليه من قبل النقيب أو من ينتدبه".

وختم جريج، قائلا: "اليوم، لا شك في أن مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود، الممثل الشرعي للسلطة القضائية، قادر على منع استغلال القضاء المستقل لأغراض سياسية، أو على الاقل الحد منه، ولو كان المجلس غير قادر على الضغط لاقرار التشكيلات القضائية، ما يستدعي اقرار قانون استقلالية القضاء بما يعطي السلطة الثالثة استقلالها الناجز، ويفرج عن فكر قلة ضئيلة من القضاء من الهيمنة السياسية، ويحرر أيديهم من الاستكتاب السياسي، وينزع عن خاتمهم بعض أحكام صادرة باسم السياسيين واعادتها الى بيت القضاء المستقل لتصدر باسم الشعب اللبناني".