عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

رامي الريس (الجمهورية)

قلائل في العالم العربي هم الذين يتابعون بدقّة أخبار عالم السلاح وتجارته والصفقات الكبرى التي تحوم حوله وما يرافقها من سمسرات وعمولات تقدَّر بملايين الدولارات، ذلك أنّ قلائل في العالم العربي هم الذين يهتمّون بقدر كافٍ ممّا يُحاك في الكواليس السياسية الدولية، ما يُشكّل دوافع أساسيّة لاتّخاذ قرارات أو رسم سياسات معيّنة في هذه المنطقة أو تلك.
ولعلّ الأرقام (التي غالباً ما يُنظر لها للأسف في لبنان والدول العربية على أنّها أقرب لأن تكون وجهة نظر!) تَشي بالكثير حول هذا الملف المهم. فقد بيّنت المؤشّرات أنّ إجمالي الإنفاق العسكري العالمي عام 2010 بلغ 1،6 تريليون دولار، أي ما يوازي نحو 235 دولاراً أميركياً لكل إنسان على وجه الكرة الأرضيّة! وقد أتت هذه الأرقام لتشكّل زيادة بمعدّل 53 في المئة عمّا كان يُنفق في العام 2006 ويوازي نحو 2،6 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.

وتشير الأرقام أيضاً إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية وحدها تنفق نحو تريليون دولار سنويّاً على الأمن القومي مع موازنة دفاعية بقيمة 703 مليارات دولار، مع أنّ هذه الارقام مرشّحة للانخفاض خلال المرحلة المقبلة بفعل البرنامج المالي الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما لتحقيق خفض متتالٍ للموازنات الأميركية على مدى السنوات المقبلة وعُرف بما سمّي بـ Sequester.

وللذين لا يعلمون، فإنّ حجم التجارة السنوية بالأسلحة التقليديّة، الخفيفة والثقيلة، والتي تُستخدم كثيراً في النزاعات المحلّية والحروب الأهلية، تبلغ سنويّاً نحو 60 مليار دولار! كما أنّ أكبر منتجي وتجّار الأسلحة من بين الدول هي: الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، بريطانيا، فرنسا، السويد، هولندا، إيطاليا، إسرائيل والصين.

وقد صدر أخيراً كتاب بالإنكليزية تحت عنوان: “عالم الظلّ: داخل تجارة الأسلحة الدولية”، لمؤلّفه أندرو فاينشتاين، يكشف حقائق مذهلة تتّصل بهذا العالم الخفيّ وأساليب الخداع والمكر التي تُستخدم لإبقاء الحروب قائمة لتحقيق الأرباح المالية على حساب أرواح الأبرياء.

ففي جنوب أفريقيا، مثلاً، خصّصت الحكومة مبلغ 6 مليارات دولار للتسلّح في الوقت ذاته الذي أعلنت فيه عدم قدرتها على تخصيص مبالغ مالية لبرامج معالجة نحو 6 ملايين مواطن أصيبوا بأمراض فقدان المناعة المكتسبة و”الإيدز”. وشملت صفقات التسلّح دفع نحو 300 مليون دولار كعمولات وسمسرات لأطراف لعبت أدواراً معيّنة في إتمام الصفقات إيّاها. وفي السنوات الخمس التي تلت، توفّي ما يزيد عن 300 ألف شخص بسبب غياب برامج الطبابة المطلوبة لشفائهم، فيما بقيت الأسلحة مخزّنة في المستودعات ولم تُستخدم!

أمّا كتاب “التسلّح ونزع السلاح والأمن الدولي” الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد استوكهولم لأبحاث السلام العالمي، فيكشف بدوره أرقاماً لا تقلّ أهمّية عن الأرقام أعلاه، وبعضها يتصل بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، فيشير إلى أنّ موازنات الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط للعام 2011 بلغت معدّلات قياسيّة على الشكل التالي: المملكة العربية السعوديّة (48،5 مليار دولار)، إسرائيل (16،4 مليار دولار)، العراق (5،8 مليارات دولار) والكويت (5،6 مليارات دولار). في هذا الوقت، أفاد تقرير رسميّ عراقيّ أنّ 23 في المئة من سكّان العراق ضمن دائرة الفقر!.
ما هي الخلاصة السياسيّة التي يمكن التوصّل إليها من هذه الأرقام كلّها؟

ربطاً بالأحداث والتطوّرات المتسارعة التي تشهدها الدول العربيّة من ثورات شعبيّة، فإنّ مصالح الدول تبقى هي الأساس في تحديد السياسات وليس معايير الإصلاح والديموقراطيّة والتغيير وحقوق الإنسان التي تمّ التغاضي عنها لعقود طويلة، عندما كانت أنظمة سياسية متحالفة مع الغرب تؤدّي الدور المنوط بها وهو عدم تشكيل خطر حقيقي على إسرائيل، وهذا ما حدث مع مصر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

التدخّل الدولي في ليبيا، مثلاً، حصل على قاعدة مصالح إقتصادية ورزمة صفقات متوقّعة في السلاح والاقتصاد. والخلاف الروسي – الأميركي الذي حصل في الملف الليبي لم يكن من باب حرص هذا الطرف أو ذاك على تحرير المواطن الليبي من الديكتاتورية التي قبع تحت ظلمها لأربعة عقود متتالية، إنّما من زاوية الخلاف على الحصص.

واليوم، تتواصل الأزمة السورية فصولاً دمويةً، بعضها شديد الفظاظة ومثير للاشمئزاز، في ظلّ صمت دوليّ غير مسبوق، والاعتبارات لا تتّصل مجدّداً بحقوق الإنسان أو الديموقراطيّة، وإلّا لكان تصرّف المجتمع الدولي وفق قواعد مختلفة تماماً عن سياسة التصريحات والبيانات الصادرة من قاعات الاجتماعات المبرّدة أو ردهات الفنادق الفخمة، فيما الشعب السوري يكتوي بالنار والحديد.

في غمرة الأحداث المتلاحقة التي غالباً ما تدفع إلى اليأس والتشاؤم، قد يكون مفيداً الهروب نحو الأدب، وأقترح رائعة ليو تولستوي “الحرب والسلم” التي تمزج بين الحقيقة والخيال الإبداعي وتروي تفاصيل عن طريقة حياة المجتمع الروسي بعد غزو القائد الفرنسي نابليون بونابرت روسيا واحتلاله موسكو ثمّ تراجعه أمام البرد القارس في روسيا وصمود القيصر الروسي ألكسندر الأوّل. كان ذلك في القرن التاسع عشر، ومع كلّ شيء، كان ذلك الزمن أقلّ قساوة، في الحدّ الأدنى بسبب غياب الأسلحة الفتّاكة والدمار الشامل والقنابل النووية!

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!