سياسات التصفية والنتائج العكسية

رامي الريس (الجمهورية)

تُصادف اليوم الذكرى الثامنة لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي شكّل استشهاده منعطفاً كبيراً على المستوى الوطني وأعاد خلط الأوراق السياسية ووسع الهوّة بين اللبنانيين. مما لا شك فيه أن قرار الاغتيال بحدّ ذاته جاء كبيراً، أحد أهدافه الرئيسية إزاحة الحريري بما مثّله من تجربة سياسية واقتصادية في المشهد اللبناني والخارجي حيث كان حاضراً بقوة بحكم شبكة العلاقات الواسعة التي امتلكها على أكثر من صعيد.

وكما اغتيل الحريري، اغتيل قبله العشرات من الشخصيات الوطنية وفي طليعتها كمال جنبلاط (1977) الذي تصدى آنذاك لمشروع ضرب الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وكانت إزاحته من المشهد السياسي تتيح دخولاً انسيابياً للقوات العسكرية السورية إلى لبنان، وهذا ما تحقق بالفعل في المراحل التي تلت وعُرفت بمرحلة الوصاية الثقيلة التي أطبقت على صدور اللبنانيين لأكثر من ثلاثين عاماً وأمسكت بالمفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة.

واليوم، المقصلة التي استهدفت كمال جنبلاط ورفيق الحريري وسواهما من الأعلام اللبنانيين والفلسطينيين في الفكر والإعلام والسياسة والثقافة، تخوض غمار تحديات الثورة السورية حيث انتفض الشعب السوري من أجل حريته وكرامته وديموقراطيته التي حُرم منها طوال أربعة عقود متتالية شُوّهت خلالها كل معالم المجتمع السوري الذي تعرّضت نخبه وسائر مكوناته لأكبر عملية إلغاء وإقصاء وتهميش، وهو الحال الذي كان سائداً في الأنظمة الديكتاتورية العربيّة كلها.

على رغم قساوة القدر وفداحة الخسائر التي خلّفتها الاغتيالات السياسية التي تعود جذورها إلى القرون الوسطى، تُثبت الأحداث أن ليل الظلام يستحيل أن يطول وأنّ نهايته لا بد آتية مهما كانت الصعاب والمشاكل المتراكمة. هناك في التاريخ كبار لا يُمحى دورهم من خلال التصفية الجسدية، لا بل إن حضورهم يستمر ويقوى ويترك مفاعيله السياسية على المشهد العام.

مهما يكن من أمر، فإنّ الحياة السياسية والديموقراطية في لبنان التي تعرّضت ولا تزال تتعرّض للكثير من الضربات القاسية والاغتيالات السياسية ليست العامل السلبي الوحيد. إن عدم اتفاق اللبنانيين على الثوابت، وإصرار معظم القوى السياسية للحفاظ على جانب كبير من قوتها وتأثيرها على حساب المساحة المشتركة التي يُفترض أن تشكّلها الدولة التي تبقى هي الحاضن الوحيد لجميع اللبنانيين بتنوع هواجسهم ومخاوفهم.

قانون الانتخاب ممكن له أن يكون مناسبة لتعزيز المساحات المشتركة بين اللبنانيين على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، ويمكن هدر هذه الفرصة، كما في الكثير من المحطات السابقة وتحويله مناسبة لتكريس الانقسام والتشرذم.

إنّ توهّم أي فريق لبناني بأن غلبته في الانتخابات النيابية هي الممر الذي قد يستخدمه للإمساك بالسلطة والحكم في البلد على حساب الأطراف الأخرى بهدف إقصائها وإلغائها هو توهم في غير محلّه ولن يفضي إلّا المزيد من التعثر على المستوى الداخلي. لقد أثبتت التجارب التاريخية المعاصرة أن التركيبة اللبنانية المتنوعة عصية على الانكسار، مثلما هي عصية على الإدارة الناجحة والإصلاح.

إن الانطلاق من هذه القاعدة يمكن له أن يشكل فرصة للتلاقي بين اللبنانيين، والابتعاد عنها سيكرس خلافاتهم العقيمة!

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!