التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!

رامي الريس (الجمهورية)

تعكس العديد من التقارير الاقتصادية والإعلامية الأميركية عموماً، والغربية خصوصاً، قلقاً متنامياً من تحوّل كمّيات كبيرة من رؤوس الأموال العربيّة بعيداً عن أسواق الأسهم الغربيّة التي كانت تستقطب سنويّاً مليارات الدولارات، والتي تشتهر باسم “البترودولار”.

وتوقّف المحللون في هذه التقارير عند القمّة الاقتصادية العربية الأخيرة التي عُقدت في العاصمة السعودية والتي تمّ خلالها تأكيد ضرورة توظيف الأموال العربية في المنطقة العربية، لا سيّما عبر زيادة رؤوس أموال المؤسّسات العربية المشتركة.

لا شكّ في أنّ هذا الاتجاه لا يلغي استمرار اجتذاب الأسواق الأميركية والأوربية، لا سيّما أسواق السندات والأسهم، لرؤوس الأموال العربية، ولكنّه تأثّر بشكل عميق بعد الأزمة المالية الأميركية التي وقعت عام 2008-2009، وأزمة العملة الأوروبية (اليورو) عام 2010-2012، وهو ما تطلّب إعادة نظر جذرية في السياسات المالية والتوظيفات الخارجية العربية تحديداً.

كما أنّ الثورات العربية فرضت واقعاً جديداً على عدد كبير من الحكومات العربية التي كانت قلّما تعطي اهتماماً كافياً للقضايا المعيشية والاجتماعية، ولو أنّ التعميم لا يصحّ في هذه الحال. وبعض الحكومات اضطرّت إلى تخصيص مبالغ مالية كبيرة لـ”شراء” الاستقرار الاجتماعي، إذا صحّ التعبير، ولو أنّ جوع المواطن لا يتمّ إشباعه بحفنة من الدولارات، والحرّية لا تُبتاع بسلّة مواد غذائية!

مهما يكن من أمر، فإنّ حسن إدارة الثروات العربية مسألة إشكالية تاريخيّة، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار أنّ دول مجلس التعاون الخليجي الستة (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، البحرين وسلطنة عُمان) سجّلت فائضاً ماليّاً إجماليّاً بقيمة 350 مليار دولار، أي 80 مرّة أكبر من الفائض الذي تُحقّقه الصين، وذلك وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

كما أنفقت الدول الخليجية العام الماضي نحو 74 مليار دولار على الموازنات العسكرية، بارتفاع يبلغ نحو 9 في المئة عن العام الذي سبقه. ومن المقدّر ارتفاع هذا الرقم إلى نحو 86 مليار دولار بحلول سنة 2017. ودائماً الخطر الإيراني هو المعيار الأساسي في هذه الصفقات.

لذلك، قد يكون مفهوماً أسلوب التعاطي الغربي مع صعود النفوذ الإيراني المتنامي وعدم التوصّل إلى حسم السياسات الأمثل في التعاطي مع طهران، يوازي ذلك حتماً الأخذ الدائم بمصالح إسرائيل التي لم تتعلم على ما يبدو أنّ المنطقة العربية تمرّ بمتغيّرات استثنائية ليس فقط على مستوى الثورات التغييرية التي تقودها الشعوب للتخلص من الديكتاتوريات، إنّما أيضاً بسبب تنامي قوّة بعض اللاعبين من غير الدول، وهم الذين تختلف حساباتهم وقدراتهم عن الدول وسياساتها الكلاسيكية.

إنّ الدعم العربي لمصر لم يتخطَّ المليارات التسع العام الفائت بعد الثورة، في حين أنّ تقديم الدعم إلى مصر، وهي لها الدور الأكبر والأثقل عربيّاً، يفترض أن يقع على رأس سلّم الأولويات. ففي الكثير من الحالات، يُعتبر تمويل تنفيس الانفجار أهمّ بكثير من تلقّي نتائج البركان.

المتغيّرات التي تمرّ بها المنطقة العربية تتطلّب قراءة هادئة من الحكومات العربية التي ستبقى مدعوّة لمقاربة القضايا المُلحّة بنظرة مختلفة جذريّاً عن المراحل السابقة.

فعصر سكوت الشعوب قد ولّى، وحقبة الأقبية السوداء والغرف المظلمة لا يمكن استمرارها. فها هو الشعب السوري ينتفض كلّ يوم مقدّماً المئات من الشهداء ليعيش الآخرون بحرّيتهم وكرامتهم ولتُطوى صفحة القمع والحلول الأمنية كما طوِيت سابقاً في مصر وتونس وليبيا واليمن.

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية