نصرالله و”إعادة التأسيس”

عبدالوهاب بدرخان (النهار)

كان الأفضل ألا يدلي السيد حسن نصرالله بدلوه في مسألة قانون الانتخاب. فنواب حزبه يقومون بالواجب من خلال لجان المجلس النيابي. اما هو شخصيا فلا يمثل سوى السلاح غير الشرعي، هذا السلاح الذي يسمم اجواء لبنان سياسة واجتماعاً. ثم ان ما قاله زاد الشبهات حول “المشروع الارثوذكسي” فضلا عن “النسبية”. فالأول قيل فيه ما يكفي، خصوصا افساده للتعايش الوطني وعدم دستوريته، اما الثاني فيبقى هدفا وطنيا مستقبليا لكنه لا يصلح لانتخابات تجرى على اساس تقاسم طائفي للبرلمان، والأهم انه لا يصلح في ظل هيمنة سلاح لا سيطرة للدولة عليه.

حتى في الرد على اتهام “حزب الله” بأنه فرض هذا المشروع أو ذاك على المسيحيين، لم يكن نصرالله مقنعاً، بالاخص في التواضع الساخر حين يقول اذا كنا نستطيع ان نملي موقفنا على كل المسيحيين “فسلمونا البلد”! هنا لم يكن نصرالله يمزح، فهو “مستلم” البلد، لكنه يريد استكمال الهيمنة وتفعيلها: هذه المرة الثانية على الأقل التي يتحدث فيها عن “التأسيس”، انطلاقا من ان “النظام” القائم لم يعد يناسب “حزب الله” وايران، ولا “الدولة” التي تترجم هذا النظام وتمثله. لكن نصرالله اختار ان يختبئ وراء ما جرى لمسيحيي العراق واوضاع المسيحيين في سوريا ونيجيريا – ناسياً مصر – ليخلص الى ان مسيحيي لبنان لديهم مخاوف وان “حزب الله” لا يفعل اكثر من “توظيف” هذا الواقع ليكون الجدل القائم “كأنه اعادة تأسيس لبنان من جديد لكن بقانون انتخاب”. هذا ما قاله حرفياً.

“التأسيس” له معنى واحد: اعادة النظر في التوافق الوطني. اي فتح “اتفاق الطائف” بغية تعديله، او تجاهل هذا الاتفاق كأنه لم يكن والاتجاه الى فتح نصوص الدستور الحالي لتعديلها. ولأجل ذلك لا بد من الاستحواذ على ثلثي مقاعد المجلس من خلال الانتخابات لمصلحة تحالف “حزب الله” – التيار العوني. وهذه المرة لن يبالي “المؤسسون” بتوافق او بـ”ميثاق”. واذا كان معروفا ان المسيحيين يريدون تعديلات لاستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، فإن احد “المؤسسين” سليمان فرنجيه يرى بأنه لم يعد مقبولا ان يكون الرئيس “وسطيا” كميشال سليمان وانما يجب ان يكون منحازاً، بل “متمسكا بمشروعه وبحلفائه”. غير ان المجهول هو ما يريده “حزب الله” من اعادة تأسيس النظام، فلا نصرالله ولا اي قيادي في حزبه أفصح عما يتوخاه. لكن الواضح انه عندما تلتقي طائفتان رئيسيتان فلا بد ان الغاية هي تهميش الطائفة الثالثة، اياً تكن الوسيلة.

ينصح نصرالله بـ”نسيان” الوضع السوري وعدم اسقاطه على الجدل الانتخابي، إلا انه لا ينساه، بل يستغله، وكذلك يفعل الآخرون. الفارق ان نصرالله يبالغ في الثقة بأن التداعيات السورية لن تنعكس على اوضاع “حزب الله”، لكنه يريد استباقها من خلال الانتخابات. هذه حسابات اقل ما يقال فيها إنها مخادعة. ذاك ان التغيير المرتقب في سوريا قد لا يكون مؤاتيا لـ”حزب الله” ولا حتى لخصومه.