المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

فيصل مرعي

يعجز المرء التكلم عن المعلم كمال جنبلاط الاسطورة، اسطورة نادرة من نوادر الزمان، الذي ما فتئت افكاره، وما فتئ خطابه السياسي يدوران في خَلَد اللبنانيين، وفي خَلَد العرب أجمعين، لا سيما وان افكاره، جوهرية، مستمرة، وثابتة ثبوت الدهر. واليوم عندما نستحضره بمناسبة عيد ميلاده في السادس من كانون الاول، فانما لنستذكر افكاره، ولنغرف من زاده، ومن مَعين فكره الذي لا ينضب، والذي ما زلنا بأمسّ الحاجة اليه، باعتباره حاجة ماسة، وطنياً، وعربياً، وانسانياً..

وفي الحقيقة، لا استطيع الالمام بكل ما كتبه وسطرّه المعلم، لانه لم يترك ظاهرة من ظواهر الحياة الا وكتب عنها، تارة شعراً، وتارةً نثراً، فكانت كتاباته لكل زمان ومكان..

ويحلو الكلام هنا، عن بعض ما كتبه في الجانب السياسي، اما الناحية الفلسفية، فنتركها لاربابها، خاصة وان اللبنانيين اليوم يستيقظون على خطابه السياسي، وعلى مغزى فكره ونضاله كي لا ينكسر لبنان، فتنكسر مِسْحة الديمقراطية فيه.

فلو تحدثنا عن الديمقراطية عند المعلم بكل جوانبها، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، لعرفنا انها كل لا يتجزأ ، وانها نهج سياسي فلسفي، وحالة اختبارية تاريخية. ذلك ان المشروع السياسي الذي رفعه شعاراً، تحت عنوان “وطن حر، وشعب موحدّ” ما زال المشروع الامثل الذي يليق بلبنان والمجتمع العربي برمته. بيد أن هذا المشروع لم يلق قبولاً بسبب من هذه الطائفية المتأصلة في بنية المجتمع اللبناني، وبسبب هذا الانقسام العامودي بين الطوائف، وبسبب أخيراً، من تأخر المجتمعات العربية، التي هي بأمس الحاجة الى الحريات، واحزاب، ومؤسسات مدنية واجتماعية.

فالديمقراطية في لبنان والعالم العربي، تصدها رياح التضليل، والجهل، والرياء، والتي هي نِتاج داخلي وخارجي في الوقت نفسه. الديمقراطية عند المعلم تتسع لكل انواع الديمقراطيات في العالم، لا سيما منها الديمقراطيات الغربية. لقد استوحى الديمقراطية من منابعها، اي من امهات الكتب، ولكن عاد واضفى عليها الكثير الكثير من فلسفته وعبقريته اللامتناهية.. وعلى هذا، هي عنده مشروع سياسي تعتمد العقل مصدراً، رافضاً كل ما هو فوضوي وديكتاتوري، ومستنداً الى ركيزتين: الشعب والقانون، بعيداً عن كل ما يشوبهما من أخطاء وعوائق.

فاللبنانيون، ولو بعد حين سيعتمدون مشروعه السياسي القائم على فكر متنور، فيه من العقلانية، والعصرنة، والتطلع الى الوحدة العربية بعد التطلع الى وحدة لبنان، ومن ثمّ الى الوحدة الانسانية ما أغنى وكفى.

في هذه الاجواء، التي أطاحت بالعقل اللبناني، وما نتج عنه من انقسامات، اجتماعياً وسياسياً بشكل غير منطقي وعشوائي، اكتشف بحدسه، وبعد نظرته للواقع اللبناني، وسبقه لساسة عصره، انه لا يمكن نشل لبنان من أزماته وعثراته الا بخلاصه من وحول الطائفية التي كادت تضرب مقوماته ومكوناته في العمق، فراح يعمل على مداواة هذه الظاهرة المقيتة، انطلاقاً من فكره التوحيدي، باسلوب وحدة التنوع، او التنوع ضمن الوحدة..

فكان صاحب نظرية وصيغة جديدة للديمقراطية الصحيحة، اي لا ديمقراطية متكاملة ما لم تكن الديمقراطية: اجتماعية، واقتصادية، وسياسية.. وبهذا المعنى، تكون الديمقراطية متنوعة، متطورة، جديدة، منفتحة ، ومتناسلة من بعضها البعض.

فالحق يقال: ان المعلم في نضاله وفي نتاجه الفكري، وقف سَداً منيعاً بوجه كل الذين روَّجوا لعلمانية اشبه بعصور الظلام، مفرّقاً بين علمانية يعرف لها اسم ولا يعرف لها وجود، وبين علمانية، منفتحة قائمة على هذه الروح التقدمية الاشتراكية، التي حملها شعاراً، وكوكبة من العلمانيين الحقيقيين، محاولاً قلب هذه الذهنية المتحجّرة من حال الى حال، اي من حال الوثنية الى حال الحرية الفكرية، راداً عليهم بفكر علمي، مثالي، وواقعي.

في الاطار نفسه، آمن المعلم كمال جنبلاط بالديمقراطية المتكاملة على امتداد العالم العربي، موكدّاً ان ما ينسحب على لبنان ينسحب على العالم العربي، لا سيما وان العروبة عنده كلّ لا يتجزأ، بحيث لا يمكن فصل لبنان عن العروبة، فهذا شيء مدون في : تاريخه، في التحرر من الاستعمار، وفي المصير المشترك.

إنه فعلاً، مصباح الديمقراطية المتكاملة..

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…

حلم راود اللبنانيين .. (وأي حلم؟!)