متى سنحتفل بإستقلالنا من تسلط الحكام؟/ بقلم كمال نعيم

شهد لبنان والعالم الأسبوع الماضي منظراً لم يألفهُ المنطق ولَم يتقبلهُ العقل. صرخة وجع، سمع صداها العالم اجمع ولكنها عجزت بتحريك ضمائر المسؤولين. شعب وطن، أبناء العاصمة وقاصدوها أُذلّوا وأهينوا وهم في طريقهم إلى أعمالهُم. لم تبقى كلمة الا وقالوها بحق الدولة ومسؤوليها. لَم يبقى أحداً إلاّ وكتب على صفحته على مواقع التواصل الإجتماعي، وبالمقابل اصحاب الدولة والسعادة والمعالي يضحكون في سرّهم من غباءِ شعبٍ يهاجمُهم من خلف شاشة الهاتف فقط.

هذه ليست الجولة الاولى التي ينتصروا بها ويخسر الشعب، ربحوا بمضاعفة ارباحهم مادياً من خلال زيادة استهلاك الفيول في الزحمة هذا اضافةً الى استهلاك الإنترنت والتلفون… وربحوا معنوياً ايضاً حين بدؤا بالتسابق على شاشات التلفزة وإلزاق التُهم يميناً وشمالاً لكسب الود الشعبي.

مؤسف الحديث الذي قيل حيال المؤسسة العسكرية التي تُعتبر المؤسسةالوحيدة في الدولة اللبنانية الذي يجمعُ عليها الشعب، وهي التي تجمع تحت أجنحتها جميع أبناء الوطن، ولا تميّز بين علي وجورج، ولو علمت أنها ستحجز المواطنين في طوابير السيارات لما قامت بِما قامت به، وكيف لا وهي المؤسسة الوحيدة الساهرة من أجل الحفاظ على كرامة مواطنيها وامنهم، جل ما كانت تقوم بهِ، هو ذكرى مجيدة يفتخرُ بها الوطن، استقلال لبنان من الغازي المستعمر.

لكن شتان ما بين الإستقلال من سلطة المستعمر، وما بين الإستقلال الحقيقي، الاستقلال من تسلط الحكام. ماذا لو نزل المواطنين في ذاك النهار الى الشارع وقاموا بثورة عفوية استقلالية جديدة من دون أن يُخطّط أحداً لها ومن دون أن يتزعّمُها أحداً، لو نزل الشعب من سيارتهِ وآليّاتهِ وأبقوها في الشوارع واتجهوا نحو ساحة الشهداء دفاعاً عن كرامتهم لمرةٍ واحدة لكان نظام الحكم في لبنان سقط في الضربة القاضية من وجع وقهر الناس تحت سيف الحق والكلمة الحُرّة.

لكن للأسف فقد أعطى الشعب اللبناني صكَ برائة لنظام الحكم والساسة اللبنانيين منذ إستقلال ١٩٤٣ حتى اليوم. وأعطاهُم الحق بأن يحكموه ويذلّوه حتى يوم الدين، وقال لهُم أَنتُم أسيادُنا واستبيحوا ما يمكنكُم من خيرات البلاد، ونحنُ سوف نقفُ إلى جانبكُم ولن نبخل من تقديم الدماء لَكُم .

نعلم جميعُنا اليوم أن وضعنا الإقتصادي والأمني هو رهن الخارج، لكن لا نعلم أن الثورة هي مرهونة أيضاً للخارج.

وماذا لو انهار الهيكل؟ وماذا لو استفاق الشعب على انهيار اقتصاديٍ كبير؟ ماذا سيفعل ولمن سيحمّل المسؤولية؟ وهل سنحولُها طائفية لكي ينجوا المسؤولين.أنظروا لهم وهم مجتمعين حول طاولة الغداء، يفرحون ويضحكون ويأكلون من طبق الشعب. اسألوا أنفسكُم يا شعب لبنان العظيم ما الذي يجمع المسؤولين وما الذي يجمعكُم؟ الجواب واضح ولا يحمل التأويل، الذي يجمع المسؤولين هي المصالح المشتركة والأموال الكبيرة في المصارف والشركات، والذي يجمع بينكُم هو وجعكُم وآلامكُم وهمومكُم واحدة،فإبن الجنوب والجبل والبقاع والشمال يدفع ثمن برميل المازوت ١٥٠$ لكي يدفئ أطفالهُ من صقيع الطبيعة ويقبض راتبهُ من المؤسسة العسكرية والأمنية بالتساوي ويقعُ تحت وجع الدين طيلة الشهر بالتساوي ويستشهد ليحمي الوطن بالتساوي ويذهب ليحمي المسؤول بالتساوي.

ونسأل بعد هذا إلى أين؟
من يتحمّل الخسارة اليوم غير المواطنين؟ تخيّلو كيف سيكون مشهد الوطن عندما يسقُط الهيكل، هل سيصبحون مثل سلاطين آل عُثمان أبّان السلطنة العثمانية وسينتقل وطننا من دولة مُفلسة وطائفية إلى دولة مُنتجة وعلمانية؟ ليتني املك جواباً، ولكن بالتأكيد ليس هناك جواباً لا من الشعب ولا من المسؤولين والحُكّام.
لكن حذارِ من البُكاء على الأطلال لأنها حينها لا ينفعُ الندَم.