لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!
محمود الاحمدية
16 نوفمبر 2018
سألني أحد الأصدقاء الذين يشكلون حالة ثقافية واضحة وناجحة، لماذا يا صديقي هذا التسابق في الانحدار العربي السريع نحو الهاوية؟
لم أتفاجأ بالسؤال ولم أغرق بشبر ماء عندما يأتي السؤال من أستاذ كبير يؤخذ برأيه… فقلت بكل روية وهدوء: حكم الفرد يا صديقي وفرض الخوف والسيطرة بطريقة دبلوماسية تستعمل الابتسامة المدروسة وتخفي وراءها كل ما تتخيله إذا لم تمش كما يريدون!
بكل بساطة فقدان الديموقراطية… كثير من الحرية والقليل من الديموقراطية… هي ليست بالحرية الحقيقية بل انفلات مدروس إلى حدود اتهام هذه الحرية بسبب كل النكبات وسبب كل الفساد وسبب كل السرقات وسبب كل الإرهاب… نعم يا صاحبي الديموقراطية الحقيقية تفتح عيون الحاكمين الحقيقيين والصوريين والديكتاتورية تعمي هذه العيون… وعندما يطفئ الحاكم الفرد مصابيح الحرية يشتد الظلام في طريق الحكم، ويقود سيارة سلطان الحكم، في ليل حالك السواد، فلا يستطيع أن يتبيّن معالم الطريق، يسير على غير هدى، يفقد الرؤيا… الشبح يراه رجلاً… والرجل يحسبه ألف رجل والزهرة يظنها قنبلة… يصدم السيارات التي أمامه… يدهس المارة… يصعد فوق الرصيف، يدوس على البنزين متوهماً أنه الفرملة ويدعس على الفرملة متخيلاً أنها البنزين… ولهذا تنقلب السيارة وينتهي حكم الديكتاتور…
وأنا أتصور أن الظلام كان السبب الرئيسي لهزيمة الأكثرية الساحقة لحكامنا بعد ثورات الربيع العربية والتي لم تكمل طريق انتصاراتها لأن الحركات الإسلامية المنظمة استطاعت أن تركب موجتها وتفقد بوصلتها وتبعدها عن مسارها النهضوي إلى مستقبل عربي يليق بشعبنا وتاريخه… فلو كانت هناك حريات حقيقية لرأى الحاكم طريقه، وعرف أن الطريق الذي اختاره هو طريق الدمار وتبيّن الحفر والمطبات في الشارع الدولي العام والشوارع العربية الضيقة… فلو أن البلد كان فيه ديموقراطية لَذَهَبَ إلى مجالس الشعب العربية وعرض عليهم الموقف وسمع في جلسات سرية آراء النواب… فقد يجد في آراءهم رأياً ينفعه… أو فكراً يفيده أو نصيحة تنير له الطريق… ولو كانت هناك حرية صحافة حقيقية لعرف الحاكم حقيقة ما يجري في كل تفاصيل تراتبية المسؤولين في حكمه، عندما أزيح المسؤولون الأكفّاء وحلّ مكانهم المحاسيب والندماء… ولولا الإرهاب والخوف الذي كان يخرس الأفواه ويعقد الألسنة أو يقطعها من الأساس لعلم الحاكم أن كل هؤلاء المسؤولين هم لخدمته وليس لخدمة الوطن ولإرهاب الناس وليس لحمايتهم ولو قُدّر للصحافة أن تلعب دورها وتناقش كل الوظائف ونظافة المسؤولين والاعتراض على إبعاد الأكفّاء بينهم إيماناً منهم بأن الخائفين المصلحجيين لا ينتصرون وأن المعقودة ألسنتهم لا يقاتلون وأن الذين يفقدون أقاربهم لا يملكون الحرية للدفاع عنهم… كل هذه الطرق تؤدي إلى الهزيمة والانحلال والإفلاس…
وهذا ما يجري عندنا: فساد + إرهاب + تخويف = انهيار كامل.
*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود