لبنان بلا ناطور!

علاء لؤي حسن

أنباء الشباب

ليس الفساد بأمر طارئ على الحياة اللبنانية، فقد بدأ منذ سنوات الاستقلال الأولى وأدى فيما أدى إلى إطاحة الرئيس بشارة الخوري، ثم جاءت الحركات الشعبية التي بلغت ذروتها مع الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة المعلم الشهيد كمال جنبلاط. وكانت مكافحة الفساد في مقدمة مندرجات المشروع المرحلي للحركة الوطنية المذكورة.

غير أن الحديث عن الفساد عاد ليطفو على السطح بعد (الطائف) جراء الممارسات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة، حيث أخذ الفساد يستشري بشكل غير مسبوق حتى بات منذ أيام الشيخ بشارة الخوري يتألق قياساً بالصور البشعة للفساد الحالي والذي تضخم حتى ضرب المنظومة الأخلاقية لنسبة كبيرة من اللبنانيين، فبات طريقة حياة، وبات الشرفاء في نظر العديد حالة ناشزة بل في عداد السُذّج أو الأغبياء.

تعاظم الفساد بلا رادع. فقد دخل البلد بعد اتفاق الطائف في حالة من فقدان الجاذبية، بلد بلا رأس، وحكومات تتشكل وفق الحصص الطائفية، وليس وفقاً للخيارات السياسية لهذا الفريق أو ذاك، وهذا ما لاحظناه في ما أُسمي “عقدة النواب السنة المستقلين”! وإستطراداً ماذا كان يضير هؤلاء لو انسجموا مع أنفسهم بوصفهم مناصرين لحزب الله وجزءاً من 8 آذار، فانضووا تحت جناح كتلة الوفاء للمقاومة ليتم توزيرهم على هذا الأساس من الالتزام، وليس بوصفهم (سنة)!، كما هو الحال مثلاً في اللقاء الديمقراطي الذي يضم مروحة من الشخصيات الآتية من عدة طوائف وفيهم أشخاص مثلوا اللقاء في عدة حكومات وهم من غير الدروز. مثال الوزيرين علاء ترو ونعمة طعمة.

عودٌ على بدء. بعد هذا الاستطراد نقول إن تثبيت المرجعيات على أساس طائفي أسقط مرجعية مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء الذي عليه يعوّل في ضرب الفساد، فصار إلقاء القبض على فاسد من هذه الطائفة يستوجب البحث عن فاسد آخر في طائفة أخرى. وبهذه المهزلة أصبح الفساد يجد في مرجعياته السياسية الطائفية ملاذاً، بل وأصبح التساهل مع الفاسدين من قبل هؤلاء الساسة طريقة لشراء الولاءات أو مدخلاً لجعلهم سماسرة لهم أو مشاركتهم في سرقة موارد مؤسسات الدولة التي يذهب الكثير منها إلى جيوب السياسيين في الأعم الغالب وسماسرتهم بالطبع.

وهكذا نجد أن الفساد في لبنان سرطان ينتشر ويتعاظم، يستمد غذاءه من المناخات الراعية له وفي مقدمتها المحاصصات الطائفية وتقاسم مؤسسات الدولة على أساس الانتماء الطائفي.

هذه المزرعة اللبنانية باتت مهددة بالجفاف، لم يعد بوسعها أن تستمر مورداً للفاسدين تغذي جيوبهم فيما الشعب من فقر إلى فقر، والهجرة تتعاظم. وقد يأتي يوم لا يبقى في لبنان شعب كما في مسرحية “ناطورة المفاتيح”. لكن ليس في لبنان ناطور، ونخشى هذه المرة أن تكون المفاتيح قد ضاعت بين عواصم القرار الكبرى وهي معروفة.

لبنان إلى أين؟ الجواب عند الشعب اللبناني الذي آن له أن يصحو من أفيون الطائفية والشعارات المنمّقة، وأن يتعلم محاسبة من ولّاهم أمره ومساءلتهم كما تفعل كل الشعوب الناضجة الحرة. على أن يكون الاقتصاد ومسائل الخدمات هي المقياس في تقييم أداء الحكومات والأشخاص!

لا أمل إلا بصحوة شعبية وإلا فلبنان إلى الضياع!.

(الأنباء، أنباء الشباب)