عبد القادر الجزائري: أمير العلم والمقاومة

خاص الأنباء

الأمير عبد القادر ابن محي الدين، المعروف بعبد القادر الجزائري، كاتب وشاعر وفيلسوف وسياسي ومحارب، إشتهر بمناهضته للإحتلال الفرنسي للجزائر.

ولد في بلدة معسكر في غرب الجزائر يوم الثلاثاء 6 أيلول 1808 وهو الإبن الثالث لـ”سيدي محي الدين” شيخ الطريقة الصوفية القادرية ومؤلف كتاب “إرشاد المريدين”.

كان تعليمه الديني صوفياً سنياً، أجاد القراءة والكتابة وهو في سن الخامسة، ونال الإجازة في تفسير القرآن والحديث النبوي وهو في الثانية عشرة من عمره ليحمل سنتين بعد ذلك لقب حافظ، ثم بدأ بإلقاء الدروس في الجامع التابع لأسرته في مختلف المواد الفقهية.

 

شجعه والده على الفروسية وركوب الخيل ومقارعة الأنداد والمشاركة في المسابقات التي تقام آنذاك، فأظهر تفوقا مدهشا.

بعثه والده إلى وهران لطلب العلم من علمائها، حضر دروس الشيخ أحمد بن الخوجة فازداد تعمقا في الفقه، كما طالع كتب الفلاسفة وتعلم الحساب والجغرافيا، على يد الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي قاضي أرزيو، وقد دامت هذه الرحلة العملية ما يقرب من السنتين.

لقى الشاب مجموعة أخرى من العلوم فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا – أرسطوطاليس – فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو والسنوسية والعقائد النسفية في التوحيد، وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة.

 

حين انتقلت المقاومة إلى الغرب الجزائري حيث كان “محيي الدين الجزائري” على رأس القيادة العسكرية، و كان ابنه “عبد القادر الجزائري” على رأس الجيش في كثير من الانتصارات، اقترح “محي الدين” ابنه “عبد القادر” لهذا المنصب وجمع الناس لبيعته فتمت البيعة وهو في الرابعة والعشرين.

توجه الأمير بعد البيعة إلى “معسكر” ووقف خطيبا في مسجدها أمام الجموع الكبيرة فحث الناس على الانضباط والالتزام.

قاد جيش أفريقيا خمسة عشر عاما أثناء غزو فرنسا للجزائر ويعتبر رمزًا للمقاومة الجزائرية ضد الإستعمار والإضطهاد الفرنسي.

ولبطولة الأمير اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية “دي ميشيل” في عام 1834. وبمقتضى هذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها.

وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر. فنادى الأمير في قومه بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا وخاصة موقعة “المقطع” حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها الضاربة تحت قيادة “تريزيل” الحاكم الفرنسي.

سعت فرنسا للانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة جديدة. وتمكنت قواتها من دخول عاصمة الأمير “معسكر” وأحرقتها، ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال “بيجو”. ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة “وادي تافنة” أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عرفت بإسم “معاهدة تافنة” في عام 1837.

كان لتحييد المغرب ووقف مساعداته للمجاهدين الجزائريين دور كبير في إضعاف قوات الأمير عبد القادر، الأمر الذي حدّ من حركة قواته، ورجح كفة القوات الفرنسية، فلما نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبق أمامه سوى الاستسلام حقناً لدماء من تبقى من المجاهدين والأهالي، وتجنيباً لهم من بطش الفرنسيين.

وفي كانون اول 1847 اقتيد عبد القادر إلى أحد السجون بفرنسا، وفي بداية الخمسينات أفرج عنه شريطة ألا يعود إلى الجزائر، فسافر إلى تركيا ومنها إلى دمشق عام 1855، وعندما وصل إلي اليها، أسس ما عرف برباط المغاربة في حي السويقة، وهو حي ما زال موجوداً إلي اليوم، وسرعان ما أصبح ذا مكانة بين علماء ووجهاء الشام، فكانت له مشاركة بارزة في الحياة السياسية إضافة الى التدريس في المدرسة الأشرفية، ثم الجامع الأموي، الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك.

زار عبد القادر الجزائري بيروت عام ١٨٥٦ فاستقبله اهل المدينة بترحيب كبير لما سمع عنه من بطولات في الجزائر. فعند وصوله ركب عربة الوالي الى بيت عبدالله بيهم في حاووز الساعاتية (قرب مبنى ستاركو اليوم) والذي عادت واشترته الدولة العثمانية وأقامت فيه المعهد الفرنسي للآثار عام ١٩٤٦.

أما زيارته الثانية فكانت سنة ١٨٦٢ حيث أقام له الشيخ محمد ابي النصر اليافي ليلة ذكر.

توفي الأمير عبد القادر الجزائري في أيار 1883 ودفن في سوريا.

لم يكن جهاد الأمير عبد القادر ضد قوى الاستعمار بالجزائر، هو كل رصيده الإنساني، فقد ترك العديد من المؤلفات القيمة ترجمت إلى عدة لغات، وعقب حصول الجزائر على الاستقلال تم نقل رفاته إلى الجزائر، وفي 3 نيسان 2006 افتتحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بجنيف معرضاً خاصاً للأمير في جنيف إحياءً لذكراه.