عن تفاصيل لقاء جعجع-فرنجية القريب…

خاص “الأنباء”

من محا تاريخًا أسودَ بين حزبين تقاتلا حتى على تسمية حربهما، أصَعْبٌ عليه أن يمحو ذكرى أليمة عصفت بالشمال وجرجرت خصومة عمرُها عقود؟ هو سؤال لا ينفكّ يتردّد في معراب التي تُعدّ العُدّة للقاء مصالحة تاريخي ثانٍ. بالنسبة إلى القواتيين، لا مستحيل لديهم بعدما أنجزوه مع التيار الوطني الحرّ وإن كان ذهب أدراج الرياح اليوم أو هو على الشفير. صحيحٌ أنّ بين الندّين المسيحيين تاريخًا قاتمًا وحروبًا جمة، إلا أن مجزرة إهدن حفرت في وجدان الشماليين وتحديدًا أبناء المردة عميقًا حتى غدا التواصل مع “الفاعلين” أمرًا مستحيلًا.

اليوم تتبدّل المعايير والمشهديات. فجأة يغدو لقاء رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية واقعيًّا لا بل قريبًا. فجأة تُزال كلّ الحواجز اللوجستية والنفسيّة والوجدانيّة لتحلّ محلها صورةٌ ورديّة تجمع ندّين تاريخيَّين على مرأى سيد السماوات وسيّد بكركي.

“اللقاء بات قريبًا جدًا. مسألة أيام” هذا ما تشير إليه مصادر مطلعة لـ”الأنباء”، لافتةً إلى أن كلا الرجلين جعجع وفرنجية وضع فريق عمله والمقربين منه في صورة اللقاء الذي سيحتضنه الصرح البطريركي برعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ملمحَين إلى أنه مسألة أيام من دون حسم الموعد النهائي. من دون أجندات مسبقة ولا عتابات سيكون اللقاء على ما علمت “الأنباء”، وأبعد من ذلك لا تطرُّق إلى الأوضاع السياسية الراهنة بقدر ما سيكون لقاءً ودّيًّا فيه تأسيس لمرحلةٍ مقبلة “نظيفة” من شحن النفوس والتعيير بالماضي القبيح. ولهذه الغاية، اجتمع فرنجية بأهالي شهداء مجزرة إهدن من أيام واضعًا إياهم في صورة اللقاء. وتتفق مصادر الفريقين على أن اللقاء لن يزيح أيًّا منهما قيد أنملة عن قناعاته وتوجّهاته السياسية، فلا فرنجية سيحيد عن خطه الداعم جهارًا لمحور الممانعة وتحديدًا لبشار الأسد الذي يُعتبر صديقه، ولا جعجع سيحيد عن خطّه الأقرب إلى السعودية وثوابته النابعة من “ثورة الأرز” وعدائه لبشار الأسد. وعليه، هو مجرّد لقاء مصالحة كما يطيب لبكركي أن تسمّيه، سيجمع رجلين يضعان نصب عينيهما هدفًا واحدًا: رئاسة الجمهورية. على خطهما يبرز مرشّحٌ ثالث هو جبران باسيل ابن الشمال أيضًا. يكفي إيراد هذه الحقيقة لفهم أهمية لقاء رجلي معراب وبنشعي اللذين وإن اتفقا في تاريخ خصومتهما الحديث على شيء، فعلى هدفهما المشترك: بعبدا. أما ما قبل هذه المرحلة، فحتمًا سيؤسسان لبعض الشراكات المحدودة على ما علمت “الأنباء” قد تتجلى انتخابيًّا واتفاقًا في الحكومة المقبلة وفي مجلس النواب. هذا الوئام حتمًا سينبع من حقيقة أخرى جامعة: امتعاض من أداء رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. امتعاضٌ سجله فرنجية أولًا، قبل أن يسير جعجع على خطاه، ليستغلّا معًا تردّي العلاقة بين التيار والقوات ربما تمهيدًا لورقة أخرى قد تكون أكثر استدامة تحت شعار: “الخيبة من التيار تجمعنا”.

رامي قطار- “الأنباء”