القلم الحر والانتصار في زمن القهر

محمود الأحمدية

محاولات كمّ الأفواه التي صبغت المرحلة الأخيرة هي الأخطر بين كل ملفات الفساد… لأن آخر قلعة وآخر خندق نتفرّد بهما في هذا الشرق التعيس هما خندق الحرية وقلعة الحريّة…

عودة إلى الماضي ومن وَحْي هذا التردّي وعودة إلى أوراقي القديمة، حضرت أمام ناظرَيّ قصة نموذجية من إحدى دول أميركا اللاتينية حيث ظهر مسؤول جشع لا يشبع… كلما ازداد غنًى ازداد جشعاً… اشترى النفوذ والسلطان واقتلع كلّ رجل يقف في طريقه… إذا هاجمته إذاعة اشتراها وإذا انتقدته جريدة استولى عليها وإذا تعذّر عليه شراء الجريدة اشترى المطبعة التي تطبعها وملأ بأمواله كلّ فَمٍ فأخرسه، ومضى يسرق وينهب ويستغلُّ نفوذه كما يشاءُ وكما يريد… ولكنّ كاتباً واحداً عجز عن أن يشتريه وأعلن عليه الحرب العلنيّة والخفيّة فلم يخضع ولم يركع ولم يقتنع أن السكوت من ذهب!!

وجنّ جنون هذا المسؤول الطاغية، لقد استسلم الجميع له، وسقطت كلّ القلاع بين يديه… أصبح هو الذي يعيّن الوزراء ويعيّن القضاة ويعين المحققين ويعين أعضاء البرلمان…

أصبح هو الحاكم الحقيقي وراء الستار، هو الإله الصغير الذي يُغْني مَنْ يشاء ويُفَلِّسُ مَنْ يشاء، ويرفع مَنْ يريد ويخفض مَنْ يريد… فَمَنْ هو هذا الكاتب الخطير ليقف في طريقه ويفضح سرقاته ويحكي للناس عمّا سلب ونهب! كلُّ الأقلام تشيد بعظمة الطاغية وقلمٌ واحدٌ خرج عن الإجماع وجَرُؤَ أن يقول ما لا يُقال، ورفض أن يسير في موكب المنتفعين المصفّقين لِلّصّ الأول!!

وفشلت كل محاولات الإطاحة بالكاتب الشجاع… أحرقوا سيارته متوهّمين أنه في داخلها ولكنه كان بعيداً عنها… وضعوا قنبلة في مكتبه فانفجرت ولم تصبه… أطلقوا الرصاص عليه فأخطأه الرصاص… وخطر لمساعدي الطاغية أن يقتلوا الكاتب بواسطة زوجته، وفشلوا في أن يشتروها، وفشلوا في أن يجعلوها تسقط في حبائل أحد الشبان المتخصصين في اصطياد النساء… وعندما فشلت كل محاولاتهم قرروا أن يلجأوا إلى أن يثيروا غيرة زوجة الكاتب، فكانوا يتصلون بها كلّ يوم بواسطة غانيات ساقطات ليقولوا لها إن زوجها الكاتب يخونها، ويدعونها إلى أن تذهب لتضبطه مع عشيقته، وتصوّروا أنهم إذا أدخلوا الغيرة إلى قلب الزوجة فسيشكلون النار في البيت، فيحولونه إلى جحيم من الشكّ، وسوف يحطّمون أعصاب الزوج، ويقضون عليه فلا يصمد في مقاومة الطاغية، فالرجل التعيس في بيته لا يستطيع أن يخوض المعارك الكبرى، والرجل الذي يمضي ليلته وهو يدافع عن نفسه أمام زوجته لا يستطيع أن يدافع في الصباح عن حقوق الناس ومصالح الناس وآمال الناس المغتصبة! ولكنهم لم يكونوا على عِلْمٍ بقصة الحبّ العاصفة التي جاءت بعد الزواج بين الكاتب وزوجته وتحوّلت إلى قصة وفاء سرمدي! ما دفع الزوجة الباسلة والمؤمنة بزوجها إلى اكتشاف كل حيلهم وأبلغت بها وبكل تفاصيلها إلى زوجها الكاتب والحبيب!! وصمد الاتفاق في المعركة العجيبة… الغريبة… العاصفة…

واستطاع الكاتب المبدع الشجاع أن يعرّي اللصّ الأول أمام الشعب عندما طُلِبَ إلى القضاء تحت ضغطٍ مُدَوٍّ من الكاتب ومقالاته ومن يقظة الناس المتأخرة فدخل السجن صاغراً وعاد المال المسروق إلى الشعب!

الفضل في ذلك لشجاعة كاتب، ولعقل امرأة وزواج صلب مبنيٍّ على صخرة حبٍّ سرمديٍّ عاصف!!.

 

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!

الدلع السياسي … إن لم نقل أكثر!!