لهذه الأسباب لن تغامرَ معراب بالخروج من الحكومة…

أفلح حزب القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية الأخيرة على أساس نسبي في فرض نفسِه مكوّنًا مسيحيًّا أساسيًّا على الساحة اللبنانية. لوهلةٍ ظنّت معراب أن هذا التمثيل المطّرد حدّ الضعف والذي منحها كتلةً من 15 نائبًا سيكون أشبه بسلاحٍ فتّاكٍ في وجه محاولات التحجيم. أصابت معراب ولم تُصِب في ظنّها هذا. فتلك الكتلة الثانية مسيحيًّا بفارق شاسع عن أقرب المنافسين، وضعت بين يديها جملة مسوّغاتٍ تدفعها اليوم بقلبِ أسد إلى المطالبة بحصّة وزاريّة تليق بحجم تمثيلها متى كان هذا الأخير هو معيار التوزيع العددي للحصص.

اليوم، على أبواب ولادة حكومةٍ جديدة، زالت كلّ العقد مبدئيًّا وبقيت عقدةٌ قواتية متجسّدة في وزارة العدل التي يصرّ رئيس الجمهورية على الاحتفاظ بها، فيما يعتبر القواتيون أنّ من حقهم الحصول عليها إضافة إلى نيابة رئيس الحكومة وحقيبتين أخريين. لا محسومات بعد في هذا الإطار، ولكن ما بات محسومًا بالنسبة إلى معراب أنّ أي خروج من الحكومة، حتى لو لم تُعطَ وزارة العدل، ليس واردًا في هذه المرحلة بالذات لأسبابٍ جمة أبرزها:

أولاً، وعي القواتيين أهمية حجمهم بصفتهم ممثلي ثلث الشارع المسيحي المنتخِب، وبالتالي لا يمكن الخروج في هذه المرحلة بالذات بعد الاتفاق على منحهم أربع حقائب، وهو ما لم يحصل عليه فريق مسيحي من قبل باستثناء التيار الوطني الحر في أربع حكوماتٍ متعاقبة.

ثانيًا، أي خروج من الحكومة في هذا التوقيت بالذات يعني إخلاء الساحة لفريق مسيحي واحد، واستفادة فريق مسيحي ثانٍ من الحصة القواتية، كما حصل مع الكتائب في الحكومة ما قبل السابقة يوم “انتشى” الكتائبيون الممثلون يومها بخمس نوابٍ بثلاث حقائب بعد رفض القواتيين المشاركة. وبالتالي سيكون الخروج أشبه بإقصاء طوعي يضرّ بمعراب ولا يفيدها.

ثالثًا، يعي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تمامَ الوعي أن تجارب المعارضة في لبنان في الآونة الأخيرة فاشلة وغير مجدية، خصوصًا متى كانت الحكومة ملوّنة وليست من لونٍ واحد، وعليه ستكون معارضته بلا ذي لونٍ أو معنى.

رابعًا، يسعى القواتيون إلى حصد حقائب وازنة يتمكّنون من خلالها من خدمة الناس والشارع في أسلوبٍ استقطابي للشارع المسيحي تحديدًا.

خامسًا، يجيد جعجع قراءة التطورات الإقليمية والدولية، وعليه يعرف تمامًا أن جلوسه في معراب مكتوف اليدين متفرّجًا على حكومةٍ عمرُها أربع سنوات عامل خسارة لموقعه وتموضعه لا عامل ربح.

سادسًا وأخيرًا، لا حلم رئاسيًا يكتمل في معراب بعيدًا من السلطة والخدمات والزواريب السياسيّة، وهو ما لن ينأى به جعجع عن نفسه طالما أنه اليوم وغدًا مشروع رئيس مستقبلي.

إذًا، قد تحمل الساعات القليلة المقبلة تنازلًا قواتيًّا عنوانه “وزارة العدل” على حساب مشاركتها في حكومةٍ ستقدّم لها الكثير بأربعة وزراء، قد يكون دورهم المعارضة داخل السلطة، أو التماهي في حكومةِ لاتنافُر لا سيما متى عادت ورقة معراب إلى صراطها المستقيم في مساعٍ جديّة لإحيائها.

رامي قطار- “الأنباء”