جبل العرب – جبل الأحرار (الحلقة الثانية) 

وهبي أبو فاعور

حملت اتفاقية سايكس – بيكو التي وزعت تركة ما عرف بالرجل المريض، أي السلطنة العثمانية، الكوارث والمحن والأزمات للبلاد العربية من العراق إلى فلسطين إلى سوريا ولبنان. وعملت على إيقاد نار الفتنة في كل هذه الأقطار ضمن إطار التطوير على نهجها واستعباد أهالي هذه الديار العريقة في التاريخ والخارجة من حكم الأتراك المتخلّف، وهكذا تمّ إقصاء الأمير فيصل بن الحسين عن حكم دمشق بعد مبايعته من أهل الشام.

وكانت معركة ميسلون 1920 قمة الكذب الإنكليزي على شريف مكة الحسين بن علي وحينها تعرّضت دمشق لأقسى أنواع التدمير على يد ضباط فرنسيين لا يتكلمون إلا لغة المدفع، وما حصدته هذه الأقطار كان بالغ الخطورة وأدّى إلى كوارث وطنية كانت:

1 ـ وضع اليد على فلسطين والبدء بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم بإقامة الدولة اليهودية.

2 ـ التنازل الفرنسي عن لواء الإسكندرون على الساحل السوري لتركيا مقابل تنازلات في العراق لصالح إنكلترا.

3 ـ خلق كيان شرقي الأردن وتسليمه إلى علي بن الحسين إرضاءً لوالده وإضعافاً لدولة سوريا.

4 ـ الضرب على الوتر الطائفي كما حصل في لبنان على يد عملائهم بطرس وغطاس كرم من الشمال اللبناني والياس المدوّر، ما لطّخ سمعة ثورة 1925 بارتكاب مجازر في كوكبا وجديدة مرجعيون. وهذا ما كان مناقضاً لشعاراتها.

كانت الأقطار العربية تغلي كالمرجل حتى قُدرت الثورات ضد الإنتداب الفرنسي والإنكليزي من 1919 إلى 1925 بأكثر من خمسٍ وثلاثين ثورة، لم يتسنَّ لإحداها الشمولية كما كان لثورة ،1925 إلى أن تمّ تأسيس أحزاب على المستوى الوطني السوري كان أبرزها حزب الشعب برئاسة د. عبدالرحمن شهبندر وحسن الحكيم وخالد الخطيب وسعيد حيدر الذين نُفوا إلى أرواد وظلوا فيها حتى 1923. وحزب الاستقلال بزعامة شكري القوتلي والذي ضم في قيادته عدداً من القادة اللبنانيين من أبرزهم عادل إرسلان وفؤاد سليم وعادل نكد، وأخذوا على عاتقهم الاتصال بكافة المناطق السورية.

ومن أبرز الثورات التي اندلعت قبل وخلال وبعد ثورة 1925:
1 ـ ثورة عرب الفضل 1919 بقيادة الأمير محمود الفاعور وأحمد مريود واحتلال ثكنة جديدة مرجعيون والتي اْمتدّت إلى قرية الصويري عند المصنع اللبناني، وشنّت غارات متوالية على المراكز الفرنسية في شتورا والمعلقة وجميع أنحاء البقاع.
2 ـ الثورة التي قادها المجاهدان أدهم خنجر في منطقة الشقيف وصادق حمزة في بنت جبيل من جبل عامل والتي انتهت إلى لجوئهما إلى السويداء بحماية سلطان باشا الأطرش.
3 ـ ثورة الشيخ صالح العلي في جبال العلويين.
4 ـ ثورة المجاهد إبراهيم هنانو في الشمال السوري.
5 ـ ثورة النبك بقيادة فوزي القاوقجي.
6 ـ ثورة محمد سعيد العاص في أكروم في الشمال اللبناني.
7 ـ ثورة توفيق هولو حيدر في بعلبك.
8 ـ ثورة رشيد عادل الكيلاني في العراق على سبيل التذكير وهي خارج سياق بحثنا.

نعود إلى ثورة 1925 التي قادها حزبا الاستقلال والشعب السوريين ورمزها سلطان باشا الأطرش والتي سجل الثوار فيها أسمى آيات البطولة رغم عدم التكافؤ مع القوة الفرنسية الغاشمة ومن أشهر معاركها:

1 ـ معركة الكفر قرب السويداء التي قُضي فيها على الحملة الفرنسية المتجهة إلى السويداء بأسرع الأوقات وأقل الخسائر من الثوار ومن بينهم مصطفى شفيق الباشا، وغنم المجاهدون منها الكثير من السلاح والذخيرة.

2 ـ معركة المزرعة حيث كانت القوة الفرنسة بقيادة الجنرال ميشو وقوامها أكثر من أربعة آلاف جندي وتتبعها بطاريات مدفعية وسرب من الطائرات وهدفها إنقاذ حاميتهم في السويداء سُحقت سحقاً وانتصرت إرادة الثوار وفتحت الطريق أمام الدخول إلى دمشق لو كانت الأجواء مهيأة لذلك، وانتقل بعدها قادة الثورة من دمشق إلى السويداء بعد مبادلتهم بالأسرى من الجيش الفرنسي.

3 ـ معركة الفالوج في البقاع والتي خسر فيها الفرنسيون أكثر من ثلاثماية قتيل وربح فيها الثوار ما لا يعد ويحصى من الأسلحة والذخائر.

4 ـ معركة جْباثا الخشب التي استبسل فيها المجاهدان عادل ارسلان وأحمد مريود الذي كان عاد لتوّه من العراق وكان من قادة الجيش العربي الفيصلي الذي أبلى بلاءً حسناً قبل أن يستشهد ويأخذ الفرنسيون جثته إلى ساحة المرجة في دمشق لإخافة الناس والتي هرع أبناء حي الميدان الأشاوس وحملوها من أمام ساحة البريد إلى مدافنهم وسط نثر الزهور والحداء.

5 ـ معركة مجدل شمس التي قاومت مئات الجنود الفرنسيين واستشهد فيها البطلان الأسطوريان أسعد كنج أبوصالح وفؤاد بك سليم.

هذا غيض من فيض البطولة والجهاد التي سطّرها المجاهدون ضد الانتدابين الفرنسي والإنكليزي في الفترة بين 1919-1926.

– المرجع : الثورة السورية الكبرى – سلامة عبيد – دار الغد.
– السلطة السياسية في مرجعيون – حاصبيا 1920-1957 – جورج نهرا.

(الأنباء)