التقهقر المدرسي والجامعي خطرٌ محدِق على مستقبل الأجيال

إلهام فريحة (الأنوار)

حتى ولو كانت الحكومة هي العنوان الجذاب، فإن أوجاع الناس وآلامهم من الملفات والإستحقاقات تبقى هي الغالبة لأنها تعيش معهم في يومياتهم وتفاصيل حياتهم.

لعلّ أبرز ملف يؤلِم العائلات اللبنانية هو الملف التربوي والأقساط المدرسية والجامعية، والتعليم بين لبنان وخارج لبنان وتشرذم العائلات بين الداخل والخارج، هكذا يكون تقطُّع الأوصال ينطبق على كل عائلة بمقدار ما ينطبق على الوطن ككل.

بدأت السنة الدراسية، مدرسياً وجامعياً، منذ شهر تقريباً، أقل أو أكثر بحسب كل مدرسة وجامعة، ومع هذه الإنطلاقة بدأت المعاناة على أكثر من صعيد، لكن خارطة هذه المعاناة متشعبة وكبيرة وخيوطها تمتدّ من بيروت الى بلدان الإغتراب وبالعكس.

عائلات في دول الإغتراب، سواء العربية منها أوالأجنبية، ضاقت بها سبل العيش والأشغال، فاختارت أن تعيد ابناءها الطلاب الى لبنان ليتعلّموا في مدارسه وجامعاته، فبدأ التشرذم العائلي: الآباء في أعمالهم في الخارج، والأمهات والأبناء في لبنان، مع كل ما يعني ذلك من تشرذم وضياع، وأكثر من ذلك فإن أكلاف التعليم في لبنان تفتح الباب على مصراعيه على المناقلات بالإكراه لبعض الطلاب من مدارس الى مدارس أخرى ومن جامعات الى جامعات أخرى.

مَن مِن الأهل لا يريد لأبنائه التعليم الراقي والرفيع المستوى في أعرق المدارس والجامعات؟ جميع الأهل من دون استثناء يتطلعون الى هذا الهدف: منهم مَن ينجح في تحقيقه وبلوغه، ومنهم مَن يضطر الى تعديل مساره في منتصف الطريق، بين سنة دراسية وسنة دراسية أخرى، فتبدأ معاناة الأهل والأبناء في آن واحد:

معاناة الأهل بسبب “ضيق اليد والأحوال”، تضطرهم الى نقل ابنائهم من مدارس خاصة الى مدارس خاصة أخرى أقل كلفة او من جامعات خاصة الى جامعات خاصة أخرى أقل كلفة، وهنا تبدأ المعاناة سواء على مستوى الأبناء او على مستوى نوعية التعليم في المدارس والجامعات الأقل كلفة.

لقد أظهرت إحصاءات أولية أجرتها بعض الجامعات العريقة، على نطاق ضيّق وحصري وبعيداً من الإعلام ان ما يقارب العشرين في المئة من طلابها، من مختلف السنوات، ومن مختلف الإختصاصات، لم يتسجّلوا لهذه السنة، خطوة هؤلاء كانت قسراً وقهراً، فليس من الهيِّن على تلميذ ان ينتقل من مدرسة عريقة او جامعة عريقة الى مدرسة او جامعة أقل مستوى، فعدا المعاناة الشخصية، هناك المعاناة الاجتماعية والتعديل في الطموحات والأهداف المستقبلية، خصوصاً ان الكثير من الجامعات في لبنان هي أقرب الى “الدكاكين التربوية” منها الى الصروح الجامعية، فمن أصل 52 جامعة في لبنان، ما هو عدد الجامعات التي يمكن الركون الى مستوى شهادتها؟

هذا غيض من فيض الواقع التعليمي في لبنان، وحين يصل الخطر الى المدرسة والجامعة، فعلى مستقبل الأجيال السلام.