زمن “زهرة الفتاة”/ بقلم سلوى صافي

المرأة التي اعتبرها الأم والأخت تلك التي علمتني في زمن الحداثة، الزمن الذي لا يمر سريعاً في ذهن الصغار والكبار، ذلك الزمن المليىء بالزهد والبراءة والمروءة والفرح وشحن ما تملك من قوى تتطلع إلى مستقبل حافل نبيل. أعود من النظر فيه وإليه مبللة بشوق معتق إلى كل خطوة خطوتها وكلمة سمعتها وغنوة رددتها وعنفوان حملته وطرت به واشكر في البداية والنهاية الإلهام الذي حثني والقدرة التي دفعتني والشوق الذي حفزني والبراءة التي نمت بي وغوت لها واشعلتني واشعلتها زمن “زهرة الفتاة” المدرسة لقتني بعطف كبير بريئستها وصاحبتها والقائمة على شؤونها الكبيرة والصغيرة السيدة فدى تابت المرأة التي غادرت الحياة منذ أشهر ومنذ غادرت وقلبي يأمرني بالتوقف والخشوع والترحّم وأخذ الصبر من امرأة ارادها الله شعلة نور وسلطان تشرح وتساعد وتقوم بكل مواصفات المدرسة البسيطة في بلدتنا العبادية كأنها في بيروت أو في باريس أو في لندن أو اكسفورد وأينما توجد المدارس وتؤسس على قدر كبير من المعرفة والخلق الكريم والوطن الحر والمجتمع المختلف القائم على أُسس كبيرة وناضجة من الفهم والاستشراق والمحبة والتضحية.

في ذلك الزمن أو في عصر “زهرة الفتاة” كنا صغيرات في السنّ الكبيرة بيننا لا تتعدى الخامسة عشرة من العمر والصغيرة لا تبلغ العاشرة. فدى تابت واختها سلمى والتحقت بهن الأخت سميرة فيما بعد تلك المغامرة القائمة على النضج حدثت باكراً في بلدتي العبادية.

اعجب من هذه القدرة والإرادة التي أرادها الله في تلك النفس الطيبة التي قبلت وشاءت ان تعطي وتقاوم وتسلك مسلك المتقدرين الكبار في أنحاء الأرض.

ذلك اللطف المشبع بالثقة وهذه الدائرة من المعارف التي كانت تتسع في كل سنة وفي كل يوم النشاطات التي تغذي التلاميذ تشحن بها أولاد بلدتها فتؤمّن لهن زيارة النشاطات التي تطرح أمامهن كل يوم. الفنون الرياضية ومن صوته جميل يطرح انغامه في الثامنة صباحاً قبل الدخول إلى الصف. السماع إلى مشاكل البنات وقلت أكثر من مرة بان فدى تابت ليست أكبر من تلميذاتها بكثير.

تغني مدرستها باساتذة تأتي بهن من الأوساط البدونية ما زالت الأسماء في ذاكرتي والمعجزة تحدق بي في ذاكرتي.

“زهرة الفتاة” هذا الاسم الذي سهر على حداثتي وسيجني بكثير من المعادن التي لم أمر عليها مرة في أي مكان خارج بلدتي. الاسم الذي جمع طفولتي إلى جانب كبير من طموحات سيدات اراض اليوم فأرى الصدق والمحبة والنفس الطاهرة. أسماء مدموغة بإسم من سهر عليهن وحثهن إلى الأمام. عمر الفتاة وهي تتلقى العلوم الابتدائية بإدارة نبيلة من وسط بلدها وفيء عادات أهلها.

السيدة فدى تابت التي غادرتنا بعد أن نصبت في قلوبنا خيمة من المعارف والعلوم والشرف والولاء الوطني.

(الأنباء)