واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

لا يبدو أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ستبقى تجارية. المؤشرات المتوافرة تدل على أن أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق بين البلدين، كما أن التوتر الميداني في البحار بين سفن البلدين، قد يُهدد الأمن الإقليمي على حد تعبير الخارجية الصينية، وربما يصل التوتر إلى حد قطع أي تواصل بين وزارتي الدفاع في الدولتين العظميين.
ألغى وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس زيارة كان مقرراً أن يقوم بها إلى بكين على خلفية التوتر الحاصل في بحر الصين الجنوبي بين سفن الدولتين. وماتيس مُتخصص في هندسة العلاقات مع بكين، وقد زارها عدة مرات سابقاً، آخرها في يونيو/‏حزيران الماضي.
مؤخراً اقتربت سفينة عسكرية صينية من المدمرة الأمريكية «يو إي إس»، إلى مسافة 45 متراً، وأنذرتها بمغادرة المكان كونها تمر بالمياه الإقليمية الصينية على حد ادعاء السفينة الصينية.
تدّعي الصين ملكية جُزر سبارتلي، وتعتبر أن المرور في المياه التي تفصل بين هذه الجُزر، يجب أن يحصل بموجب إذن منها، بينما ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الممرات المائية دولية، ويخضع المرور فيها للقانون الدولي العام، لاسيما قانون أعالي البحار، علماً أن الفلبين وفيتنام وتايوان وبروناي، لا تعترف بملكية الصين لهذه الجُزر، وتدعي كل من هذه الدول ملكية جزء من هذه الجزر الاستراتيجية وسط بحر الصين الجنوبي.
والتحكيم الدولي الذي حصل عام 2016، لم يكُن لصالح الصين، وهذا ما تستند إليه الولايات المتحدة الأمريكية في اعتبارها الممرات المائية في تلك المنطقة، مياهاً دولية.
ويتفاقم التوتر بين واشنطن وبكين على ملفاتٍ أخرى، بعد الحرب التجارية بينهما في ضوء قرار الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم على واردات الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ورد الصين المماثل على الواردات الأمريكية إليها.
ومن أبرز نقاط الخلاف الأخرى بين البلدين، موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على صفقة بيع تايوان أسلحة متطورة، وبكين ما زالت تعتبر تايوان جزءاً من أراضي الصين. وقد ردت واشنطن على هذا الاعتراض باحتجاج على شراء الصين صفقة طائرات حربية روسية متطورة من نوع «سوخوي 35»، ومعها منظومة صواريخ مضادة للطائرات إس 400، وهي قادرة أيضاً على اعتراض الصواريخ الباليستية.
الطائرات الأمريكية تُحلِّق فوق جُزر سبارتلي باستمرار، وهذا الأمر يُغضب الصين. الدول الصغيرة التي تُحيط ببحر الصين الجنوبي، خصوصاً بروناي وتايوان وفيتنام وحتى الفلبين، ترتاح للتحركات البحرية الأمريكية؛ لأنها عاجزة بمفردها عن الوقوف في وجه الطموحات الصينية.
الممرات المائية وسط بحر الصين الجنوبي استراتيجية ومهمة، ولها تأثيرات على أكثر من 40% من الحركة التجارية في العالم، كما أنها ممر مهم للاتصالات الهاتفية البحرية، وكابلات الإنترنت، لذلك فإن التسليم في كون ملكية وسط البحر صينية، تُعطي ورقة رابحة لبكين، وقد تؤدي إلى تقويض حرية الملاحة التجارية الدولية في المنطقة برمتها. وهذا بطبيعة الحال يخدم الصين في حربها التجارية مع الولايات المتحدة، كما يحدّ من حركة التنافس التجاري الذي تتعرض له المنتجات الصينية؛ لأن فرض إذن صيني لدخول السفن من ممرات مجموعة جزر سبارتلي، يمكن أن يحملها أعباء رسوم مالية، أو يُجبر هذه السفن على تغيير مسارها وعبور مسافات أبعد، وبالتالي تكبّد مصاريف انتقال أكثر.
يبدو واضحاً أن التفاهمات بين البلدين الكبيرين أصبحت أصعب في ضوء تفاقُم التوتر بينهما في بحر الصين الجنوبي، كما أن الاستفزازات العسكرية المتبادلة قد تُنتِج ظروفاً مُعقدة، وربما تتطور إلى حالة تهديد للأمن الإقليمي أو الدولي.
وقد وصفت الخارجية الصينية التحركات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي بأنها تُهدِد السيادة الصينية، وتُلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات بين جيشي البلدين، وتمس بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين.
ليس من عادة الصين أن تُطلق كلاماً كبيراً من دون أن تكون له دوافع تتناسب مع خطورته. والولايات المتحدة الأمريكية ليست في وارد تقديم تنازلات أمام الصين في هذا الوقت المفصلي من صراعهما التجاري.
الأوضاع في بحر الصين الجنوبي متوترة، لكن عناصر التفاهم متوافرة إذا ما صفت النوايا.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية