عن فول الحريري… ومكيول بري!

ليس رئيس مجلس النواب نبيه بري ابنَ اليوم أو الأمس، ولا هو من السياسيين الذين تنطلي عليهم “الخدع الزمنية” المندرجة في خانة الوعود الواهية. الرئيس بري لا يشبه أحدًا ومع ذلك يتماهى مع الجميع. لا يثق بالمواعيد التي يضربها رئيس الحكومة سعد الحريري لتأليف حكومته، ليس من باب عدم الثقة بالحريري نفسه، بل لمعرفته اليقينة بأن أيّ تسويةٍ منشودة -هذا إن وُجِدت فعلًا- تستغرق مهلةً تفوق تلك التي “أطّر” الحريري نفسه فيها لتشكيل الحكومة ومقدارها عشرة أيام مرّت خمسة منها أي نصفها.

اليوم، لا يقف بري مكتوف اليدين رغم أنه يتراءى لكثيرين أنه كذلك. على أكثر من جبهةٍ يعمل الرجل، هو الذي بات يعي أنّ القطار الاقتصادي يفوت لبنان وأن على قائدٍ ما أن يفرمل هذا القطار كي لا تضيع المحطة على لبنان ويخسر مقصورته في إطار المساعدات الدولية الكفيلة بانتشاله من كبواته الاقتصادية وفي مقدّمها مؤتمر “سيدر”. كعادته، يعتصم الرئيس بري بالتشاؤل، فلا يجده زواره شديد التفاؤل راسمًا أحلامًا لا يمكن تحقيقها في مهل زمنية قصيرة، ولا يجدونه متشائمًا مغلقًا الأبواب أمام بصائص الأمل التي تلوح معلنةً فرضيّة قيامة لبنان. لن يقول بري “فول حتى يصير بالمكيول”… هي استراتيجيته المعهودة التي استطاع من خلالها اكتساب لقب “ماسك العصا من وسطها”.

كثيرًا ما تصل إلى مسامع الرجل أخبار “المتناحرين” هو المطمئنّ إلى اتفاق أبناء الطائفة الشيعية وحسم حقائبهم كمًّا وكيفًا. “يؤمّه” كثيرون من المتنازعين على اختلاف مشاربهم، فتجد بعد تحريك الحريري عجلة التأليف والحديث عن تنازلات، القواتي في دارته والعوني في دارته والاشتراكي في دارته والمستقبلي في دارته. وعلمت “الأنباء” من مصادر مطلعة على مسار التشكيل أن كلمة سرٍّ وصلت إلى مسمع الرئيس نبيه بري بأن التشكيل بات أقرب من أي وقتٍ مضى بعدما تمّ إرساء التوزيع العددي لا الحقائبي على الكتل، وبعدما توصّل الحريري إلى صيغ تنازلية متكافئة ترضي الجميع من باب “الإنصاف” حتى في التنازل، إلا أن بري يرفض إشاعة أجواء شديدة الإيجابية كي لا يخيب أمل سامعيه ممن اعتادوا على أخذ الكلمة الحاسمة والجديّة منه. ولكن ما بين التفاؤل والتكتّم، يبدو أن الحريري يفعل ما لم يفعله بري من خلال بثّ أجواء إيجابية في دائرته الضيقة، على أن يحملها في غضون أيام إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لدى عودته مباشرة من أرمينيا، متسلحًا بأمل إبصار حكومته النور قبل نهاية الشهر الجاري، وهي فرضية مرتبطة بنوعية الحقائب التي سيكون الاتفاق عليها أكثر سهولة من عملية التوزيع العددي… على ما يبدو!

رامي قطار- “الأنباء”