جبل العرب – جبل الأحرار (الحلقة الاولى)

وهبي أبو فاعور

كثيراً ما يبدأ الأولاد في أول وعيهم في طرح أسئلة بريئة تنم عن بديهيات الأمور والتسميات، ولمّا كنا في ضيعة لا يزيد عدد سكانها عن 500 نسمة فالناس تعرف بعضها جيداً، خامرني سؤال بريء عن السبب الذي أعطيت فيه هذا الإسم، فكان الجواب واضحاً أنّ التسمية تعود تيمناً بالمرحوم عمي الذي استشهد سنة 1925 على أسوار قلعة راشيا ولم يستطيعوا جلب الجثة إلى الضيعة، ولهذا دُفن في بكيفا بمسعى من أنسباء لنا، وسألت جاري المجايل قاسم أبوسعد عن إسمه فأجاب تخليداً لذكرى جدّه الذي قضى شهيداً في حصار الـ poste في شويا والمؤلم أنّ المرحوم أخاه حسين حمله شهيداً مسافة 8 كلم ليدفنه في مدافن العائلة، أما إبنة عمّي أمينة فلم أعرف لها في صغري أباً ولا أماً، وبحشرية الأولاد سألت عنهما وأُ҆جبت بأن أمها توفيت مريضة وأباها عمي حسين علي استشهد في عين عليل في معركة طاحنة حيث لم يستطع رفاقه سحب الجثة التي بقيت في أرض المعركة، وهكذا تستمر حكايات البطولة مع المرحومين أعمامي وأقربائي وجيراني فمنهم حمود يوسف الذي شهد له الجميع في معركة الفالوج وسليم حسن الذي نجا بأعجوبة في معركة الظهر وذوقان بشر الذي رُشّح لقيادة المجاهدين بعد استشهاد فؤاد سليم، ولكنّ الشوافنة كانوا أكثر عدداً وتأثيراً فكرّموا شكيب وهاب قائداً عسكرياً للثورة. وهناك العم ابراهيم عبدالله أبوابراهيم الذي هرع مع أخواله ومجايليه حمود أبوصالحة وعلي الكريدي وغيرهم وشاركوا في أقسى المعارك وكذلك الجدّان على قاسم عامر وعلي يوسف أبوسعد.

هكذا كان يُروى التاريخ في خمسينيات القرن الماضي من شيوخ مجاهدين كانت العمائم البيضاء المكرمة تستر شيب فروسيتهم، هؤلاء الشجعان الذين حاربوا فرنسا الغاشمة وجنودها المرتزقة من التوانسة والمغاربة والأرمن والسنغال وزنوج المستعمرات في إفريقيا، أتوا من أصقاع الدنيا غصباً عنهم ليأكلوا ويمجدوا ما تدعيه فرنسا من عناوين الحرية والإخاء والمساواة.
ففرنسا أخذت صفة الانتداب الراقية لتبرر نهجها الاستعماري وسلب خيرات الأرض المنتدبة عليها.

وبالنتيجة جعلت لسوريا ولبنان مفوضاً سامياً واحداً يقيم في بيروت وله مندوب في الشام وعينت على جبل العرب حاكماً فرنسياً.

عاثت فرنسا ظلماً بالشعب المقهور، ومارس مفوضها السامي ساراي ونائبه كاربيه أبشع أنواع الاضطهاد فيما سُمي بحكومة جبل الدروز المقتطعة من دولة دمشق- الشام إلى جانب دولتي التجزئة في حلب وجبال العلويين.

كان للثورة أسبابها الوطنية وأسباب أخرى إجرائية ظالمة منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ منع الدروز من الابتهاج في عيد الأضحى في السويداء في 2 تموز 1925، ما حدا بموريل صديق كاربيه وشريكه أن يتعقبهم أثناء تبادلهم زيارات المعايدة متوعداً ومهدداً بقارس الكلام، ما آل تشابكاً أدّى إلى جرح أحد جنوده على يد الشاب حسين مرشد رضوان الذي عوقب بحكم يقضي بهدم داره وأخذ شباب رهائن وتغريم السويداء بغرامات باهظة.

2 ـ وفي 14 تموز عيد الحرية لدى الفرنسيين نصبوا كميناً لاعتقال القائد سلطان باشا الأطرش أثناء زيارته مقرّهم بغية المعايدة وتلطيف الأجواء، ولكن الباشا نجا بحدسه وذكائه ولم يُقبض عليه أسوة بالمعتقلين من قادة الجبل في دمشق وعقلة القطامي المنفي إلى الحسكة.

3 ـ كما أدّت الغطرسة بساراي أن لا يستقبل في بيروت وفداً من زعماء جبل العرب قوامه ثمانية وثلاثون وجيهاً حضر إلى بيروت ليشكو رعونة الحاكم الطاغية كاربيه وما يقوم به من تعسّف وتنكيل باسم فرنسا راعية الحريات في محافظة السويداء، علماً أن السلطان باشا لم يكن مؤيداً لمهمة هذا الوفد يقيناً منه بخداع الفرنسيين وطغيانهم.
هذه الثورة التي سميت بالثورة السورية الكبرى وشملت السويداء والغوطة وحماة والإقليم والجولان وكانت تطمح لشمول الأقضية الأربعة التي ضُمّت لدولة لبنان الكبير ولكنّها شملت منطقة وادي التيم فقط.

ثورة سورية رفعت شعاراً واحداً لها وهي الدين لله والوطن للجميع وأهدافاً سياسية تتمثل بـ:
1 ـ الاستقلال التام عن فرنسا والوحدة الكاملة لسوريا المجزأة.
2 ـ تشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب مجلس تأسيسي يسنّ دستوراً ويعين شكل الحكومة الوطنية الشاملة.

*المرجع: الثورة السورية الكبرى – سلامة عبيد – دار الغد.

(الأنباء)