بين معراب وبنشعي… ظروفٌ ومصالحُ وأحلام!

ما مِن عدوّين تاريخيَّين في لبنان إلا واجتمعا. كان على التاريخ اللبناني الدموي أن ينتظر لقاءً أخيرًا بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ليطوي آخر صفحاته.

صحيحٌ أن الرجلين التقيا في غير مناسبة ولا سيما في بكركي حيث كانت الصورة الرباعية الشهيرة، كما وعلى طاولة الحوار، إلا أنّ اللقاء الذي يُعدُّ له بصمتٍ في كواليس الفريقين مختلفٌ تمامَ الاختلاف. هنا اللقاء ثنائيٌّ لا تعكره معارك “قطبيّة” على رئاسة الجمهورية التي يطمح إليها الرجلان. اليوم كلّ شيء تبدّل ولم يعد الفريقان اللدودان يجدان حائلًا دون لقائهما. عناصر كثيرة تضافرت لتصبّ في خانة اجتماعهما الذي حال دونه طوال السنوات الماضية تاريخٌ أسود من الاتهامات والدم.

ماذا تغيّر اليوم؟

أولًا، لم يعد لقاء أي فريقين، مهما تباعدا وتخاصما، مستحيلًا وأكبر دليل على ذلك اجتماع القواتيين والعونيين في تفاهمٍ يبدو شديد الاهتزاز اليوم حدّ انكسار الجرّة مجددًا.

ثانيًا، ليس منطقيًّا بالنسبة إلى معراب التي طوت صفحة تاريخية سوداء مع التيار الوطني الحرّ ألا تفعل الأمر عينَه مع المردة التي تنفتح هي الأخرى على فرضيّة رمي التاريخ وراء ظهورنا والسير قدمًا إلى مستقبل جديد.

ثالثًا، يستفيد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية اليوم من خصومةٍ شرسة مع التيار الوطني الحرّ مقابل اهتزازةٍ شرسة للعلاقة بين التيار والقوات، ليرسم خطوط تقارب استراتيجية مع معراب. وهو ما يفتح الباب على ما يقوله العونيون ومفاده أن التقارب القواتي-المردي له طابع نكائي بحت لا أكثر.

رابعًا، يعلم الرجلان خيرَ علم أنهما يتقاسمان مشتركَين أحدهما واقع وثانيهما طموح: الأول يتجسد في جغرافية معقليهما أي الشمال الذي فرقهما انتخابيًّا وسيجمعهما سياسيًّا أغلب الظن. وثانيهما الحلم الرئاسي الذي ينتظر كلاهما تحقيقه بفارغ الصبر بعد قرابة أربع سنوات.

في قراءة أولى، تبدو نقاط التباعد بين الرجلين أكثر من نقاط التلاقي، ومع ذلك يبقى اللقاء أمرًا واقعًا يطهوه مقربون من الرجلين على نارٍ هادئة، ليبصر النور في وقتٍ قريبٍ جدًّا يتحفظ كلا الفريقين عن كشفه. أما المكان فلم يُحدّد هو الآخر على ما علمت “الأنباء” رغم كلّ ما يُشاع عن دير شمالي عريق، إلا أن مثل هذه الإشاعات تدفع معراب وبنشعي إلى التمويه وتحديد مكانٍ لا يتوقعه أحد لأسباب أمنية ولوجستية.

ما الذي يجمع سمير جعجع وسليمان فرنجية؟ سؤالٌ ما عاد الجواب عنه مستعصيًا بعدما اجتمع سمير جعجع وميشال عون وذهبا بعيدًا في اجتماعهما حدّ بلوغ عون قصر بعبدا وإنتاج ورقة تفاهم يشارف الفريقان على تمزيقها. لكن الأكيد أنّ أيًّا منهما لن يتزحزح قيد أنملة عن ثوابته الوطنية وقناعاته الإقليمية، خصوصًا أن التباعد بين محورَيهما الإقليميين صريح، وأنّ أيًّا منهما لن يقنع الآخر بخطه.

ما سبل التعاون؟ من المبكر استشراف ما قد يثمره لقاء الرجلين، ولكن الرسالة تُقرأ من عنوانها: أيٌّ منهما لن يتخلى عن حلمه الرئاسي، بيد أنّ إرساء فترة مهادنة إلى أن يحين الوقت قد تبدّل في أحوال البلاد والعباد، خصوصًا أن أربع سنواتٍ مقبلة قد تكون كفيلة بتعزيز علاقة الفريقين والاستفادة من أي تقاربٍ على المستويَين التشريعي والتنفيذي ولا سيما الأخير في الحكومة المنتظرة ولادتُها.

هل ما زالت معراب تؤمن بأوراق التفاهم؟ ليست تجربتها الوحيدة في هذا المجال مشجعة، ومع ذلك للظروف والأحلام… أحكامها.

رامي قطار- “الأنباء”