صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

تزيد الأثقال على روسيا في مرحلة إعادة الصعود إلى المنافسة القطبية، فلا صعود من دون عناء. لقد استحضرت موسكو كامل العدّة لاستخدامها في استعادة مكانتها الدولية كمنافس جدي للولايات المتحدة في أكثر من ساحة دولية، لكن بعض النجاحات التي حققتها لاسيما في الشرق الأوسط وفي أقصى شرقي آسيا لا تكفي لحجب الإخفاقات التي وقعت فيها، لاسيما على المستوى الاقتصادي، وفي مجال ترتيب ما كان يُعرف ببيتها الداخلي، تحديداً على الساحة السلافية الأرثوذوكسية.

وركز الرئيس القوي فلاديمير بوتين الصلاحيات الأساسية في البلاد بين يديه، وعمِل بكل جهد لاستعادة الأمجاد السوفييتية التي يحنّ إليها القوميون الروس، وعلى هذه الخلفية صبروا عليه، بل بايعوه لأربع مرات متتالية في الرئاسة منذ بداية العام 2000، ثلاثة منها له شخصياً، ومرة لمن اختاره مرشحاً بديلاً عنه بين العام 2008 والعام 2012 صديقه، أو مساعده ديمتري مدفيدف، بينما بقي بوتين في تلك الفترة رئيساً للحكومة، أو رئيس ظل، كما كان يقول المراقبون في تلك الفترة؛ ذلك لأن دستور روسيا لم يكن يسمح بترشح الرئيس إلا لولايتين متتاليتين.

نجح بوتين في تطوير الأسلحة الروسية التقليدية والاستراتيجية، والدليل على هذا النجاح الذي برز بشكل أساسي إبان الأحداث في سوريا، كان زيادة مبيعات الأسلحة الروسية في الأسواق العالمية من 10 مليارات دولار قبل خمس سنوات، إلى ما يقارب 48 مليار دولار هذا العام.

لكن اقتصاد روسيا تراجع إلى حدود كبيرة في السنوات الماضية، على خلفية تراجع أسعار النفط والغاز، ومن جراء العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عليها، بعد ضمها جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية في العام 2014، وعلى خلفية الأحداث في أوكرانيا.

والاختناق الاقتصادي الروسي ما زال قائماً، على الرغم من اعتماد الرئيس بوتين على استراتيجية جديدة تستفيد من علاقات مميزة مع ألمانيا، ومع تركيا، رغم أن اقتصاد هذه الأخيرة يعاني إخفاقات كبيرة.

من أبرز الصعوبات الجديدة التي تواجه روسيا: مشكلتان مؤثرتان لهما تداعيات واسعة على دور روسيا، وعلى اقتصادها في آن.
المشكلة الأولى هي تعارض المصالح الاستراتيجية مع تركيا في سوريا. فالأخيرة لها أطماعها في المنطقة، وتحاول إبقاء هيمنتها على مساحات واسعة من الأراضي السورية، بينما روسيا يهمها الانتهاء من الأحداث في سوريا لتتفرّغ لاستثمار إعادة الإعمار في البلاد، بحيث تستفيد الشركات الروسية من هذه العملية.

ولا يبدو أن روسيا تستهين بالتضحية بالعلاقات مع تركيا، لأنها مُستفيدة من التبادل التجاري معها، إضافة إلى كونها نجحت في خلق تبايُن بين تركيا وحلفائها الأطلسيين، ولا تريد روسيا أن تعود المياه إلى طبيعتها بين تركيا وحلف الأطلسي التي هي عضو فيه.
المشكلة الثانية التي برزت أمام السياسية الروسية، هي إعلان سينودوس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إنهاء مشاركة الكنيسة الروسية في الهيئات التابعة لبطريركية القسطنطينية المسكونية ومقرها في إسطنبول، ما يعني فعلياً انقساماً في الكنيسة الأرثوذكسية العالمية التي يتبع لها أكثر من 300 مليون من المسيحيين الأرثوذكس في العالم.

تعتبر روسيا نفسها راعية أو حامية، للشعوب السلافية ولأتباع المذهب الأرثوذكسي في العالم، وقد تصرفت بهذه الروحية على مدى عقود طويلة من الزمن. وكانت بطريركية موسكو وسائر روسيا، هي المرجعية الفعلية للكنائس الأرثوذكسية في العالم بعد سقوط القسطنطينية بيد المسلمين في القرن الخامس عشر، على اعتبار أن مرجعية القسطنطينية لا يجوز أن تكون هي الأساس، بينما تقع تحت «احتلال المسلمين» كما كان يقول القوميون الروس في القرون الوسطى.

الجانب المهم في أزمة انقسام الكنيسة الأرثوذكسية، هو أنها جاءت على خلفية الأحداث في أوكرانيا، حيث يرغب الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو وبطريرك كييف فيلاريت الذي يُعتبر مُنشقاً عن بطريركية موسكو وعموم روسيا، في الارتباط نهائياً بكنيسة القسطنطينية، وفك كل عرى التواصل مع كنيسة موسكو.

وقد اعترف بوروشينكو وفيلاريت مؤخراً، بتعيين البطريرك المسكوني برتلماوس لاثنين من الأساقفة الأوكرانيين، علماً أن هذا التعيين كان سابقاً يأتي من قبل البطريرك كيريل رئيس كنيسة عموم روسيا، الذي يعتبر أن كنيسة كييف جزء من رعيته.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية

قراءة هادئة في نتائج الاستفتاء البريطاني