خطورة الإخلال بالتوازنات الوطنية

د.ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

على هامش مخاض تشكيل الحكومة، خرجت بعض المواقف عن المحددات التي عادة ما تراعى في سياق الحفاظ على العيش المشترك بين مكونات الشعب اللبناني، كذلك تفلتت ممارسات عديدة عن سياق التقاليد المعمول بها في الادارة العامة وفي مؤسسات أخرى عدلية وأمنية. وكاد الأمر أن يسبب إشكالات ميدانية لولا تدارك العقلاء لما جرى.

من الطبيعي ان تتوسع مساحات النفوذ لهذا الطرف أو ذاك وفقا لطبيعة كل مرحلة، كما من الطبيعي أيضا، ان تتقلص هذه المساحة عن أطراف أخرى استنادا الى ظروف معاكسة بين الحين ولآخر. ولكن الذي كاد ان يحصل في الفترة الأخيرة، هو اندفاعه مبالغ فيها لأطراف سياسية، شعر معها أخصامها بأن هناك استهدافا له طابع تأسيسي – كي لا نقول وجودي – مما أدى الى استنفار شعبي، غلبت عليه السمة الطائفية، أو المذهبية، لأن بعض المسؤولين استخدموا عبارات عادة ما تثير مخاوف.

وعلى الضفة الأخرى، فقد كان لبعض الإجراءات الادارية، أو التشكيلات الأمنية، دور في عملية الاحتقان، لأن قوى سياسية شعرت بشيء من التهميش والاستخفاف بدورها، ولأن جزءا من الإجراءات لم تراع إطلاقا تقاليد المجاملة المعمول بها عادة بين المرجعيات السياسية اللبنانية. والبعض الآخر تصرف بعقلية المنتصر الذي لا يأخذ بعين الاعتبار رأي منافسيه.

بالوقائع وعلى سبيل المثال: استخدم أحد صقور العهد عبارة “الخط الذي حدده الرئيس لتشكيل الحكومة” وهذا ما أثار كل الجو السياسي الذي يحيط برئاسة الحكومة. والبعض ذهب بعيدا في الاستخفاف بطرف سياسي له نفوذ واسع في الجبل من خلال بعض الإجراءات الإدارية وغير الإدارية، ومن استخدام عبارات سياسية عالية النبرة، ما أدى الى استنفار شعبي وصل الى حد الغليان.

ويمكن ذكر حالات عديدة من الاستفزازات المتبادلة في هذا السياق، منها تسمية شارع باسم احد المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومنها مهاجمة دولة عربية صديقة بالإعلام من قبل إعلاميين مرتبطين ببعض قوى “الممانعة”.

في لبنان عادة قديمة مأخوذة من تجارب الماضي: عندما يشعر أحد المكونات بالتهميش أو الاستهداف، تقع اضطرابات. أما اليوم فإن التماسك الوطني قائم، والقناعة بالحفاظ على الوحدة الوطنية تغلب على أي اعتبار آخر عند أغلبية القوى الأساسية، كما أن الأجهزة العسكرية والأمنية قادرة على التعامل مع أي إساءة للاستقرار.

ولكن في ذات الوقت، فإن الاستنفار السياسي عال أيضا، لأن بعض القوى تحاول الإخلال بالتوازنات الوطنية من خلال تشكيل الحكومة، ومن خلال المبالغة في الاستفادة من مواقع السلطة.

تتساءل أوساط متابعة؟ إذا ما تم تحجيم القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وبالتالي محاصرة رئيس الحكومة، فكيف يمكن أن يتحقق التوازن الوطني الذي هو احد اهم شروط الاستقرار؟