إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

محمود الاحمدية

في دولة من دولنا العربية “المهضومة” “المتطورة” أرسل الحاكم إلى وزير داخلية دولته لمقابلة سريعة بدون أن يشرح له ظروف المقابلة وموضوعها الداهم وتفاصيلها الدقيقة، وعندما وصل معالي الوزير بادره الحاكم بالقول: إنني تلقيت مئات الشكاوى من المواطنين يلعنونك ويهاجمونك ويطالبون بإقالتك… وذهِلَ الوزير بسماع هذا الكلام المرعب. وقال: إنها دعايات كيدية وشكاوى كيدية وتخفي وراءها أحقاداً وحسداً، وعلى العكس أنا أعدل بينهم وأُحسن معاملتهم وأقوم بواجباتي نحوهم. وبكل برودة أعصاب اجابة الحاكم: “ما عندي مشكلة”، لا تخف ما دام الناس يشكون منك ويتكلمون بالسلبي عنك فإنك باقٍ مستقرّ في منصبك، أما إذا أجمع الناس على مديحك فسوف أَطردك من منصبك!

هذه القصة ليست على سبيل الفكاهة، إنها حادثة حقيقية رواها وزير الداخلية نفسه في جلسة صفى فيها البال وصَعُد فيها البوح والوشوشة إلى الصوت العالي.

نعم الحاكم الفرد يفضل المرؤوسين المكروهين على المرؤوسين المحبوبين عند الناس. إنه يخشى إذا أحبّ الناس أحد معاونيه أن يضعوه مكانه أو أن يهدد مركزه أو أن يصبح قوة خطرة عليه.

الضعفاء هم الأعوان الطبيعيون للحاكم والمكروهون هم الحلفاء المطلوبون الذين لا خطر منهم على صاحب السلطان والجبروت!

كثيرون يتذكرون (بيريا) سفاح الاتحاد السوفياتي في تلك الأيام والذي كان يمقته الشعب يوم كان وزير الداخلية والرجل الذي كان يحكم بإعدام الأبرياء بنفس السهولة التي كان يشعل بها سيجارته! وكانت هذه الكراهية تقربه إلى ستالين وتجعله أكثر الزعماء حظوةً لديه!

وفي كل تقرير من هذه التقارير كان رصيد (بيريا) يتضاعف قوة وشكيمة وتقديراً لدى الحاكم ويزيده سلطاناً ونفوذاً، وكان كل طامحٍ واعٍ مثقف يدري ماذا يفعل يشكل نقطة سوداء أمام ستالين.

والعبرة التاريخية التي تنسحب على كل وضع مشابه: إياك أن تتكلم أمام وزير طاغية عن مساوئ الدكتاتور أو أن تشتمه. أكتب خطاباً إليه تتغزل في وزيره السيّء وامْدَحْه واثْنِ عليه.

بذلك تكون أعددت له بداية النهاية يقول البابا غريغور الرابع: “أحببت العدالة وكرهت الظلم، لذلك أموت في منفاي”. ويقول كونفوشيوس: “نحن إن عشنا في بلدٍ تسوده العدالة ففي استطاعتنا أن نتَّشح برداء الشرف والمجد في مواضع وأن نتحمل أحزاننا برباطة جأش”. أما أمين الريحاني فيقول: “أما العدل الحقيقي فهو الذي يجيء مشفوعاً بالرحمة والشفقة والحلم والمحبة” وجاء في حديث شريف: “عدل ساعة أفضل من عبادة سبعين عاماً”.

هل من سميع مجيب في هذه الأيام الحالكة التي يمرّ فيها الوطن بكل إرهاصاتها؟! لعلّ وعسى!!

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة

السفير المطرود ظلماً وقهراً