العيسى في لبنان: لعقد قمة إسلامية مسيحية عالمية في بيروت

أن يزور بيروت الأمين العام لرابطة العمل الإسلامي وزير العدل السعودي السابق الشيخ الدكتور محمد العيسى في هذا التوقيت، ويجول على الرؤساء الثلاثة، فلا بدّ وأنّ في جعبته مشروعاً يطرحه، يجسّد مفاهيم وأدوار الرابطة في مرتكزها الإنساني ونهجها الحواري. وفي اللقاء الذي خصّ به عدداً من الإعلاميين في مقر إقامته في فينيسيا، كشف العيسى عن هدف الزيارة المتمثل بطرح مشروع عقد قمة إسلامية مسيحية عالمية في بيروت، تنوي الرابطة أن تُقام في بيروت، بمشاركة كافة الفعاليات الإسلامية والمسيحية بمختلف المذاهب برعاية لبنانية العام المقبل، فضلاً عن التنسيق مع دار الفتوى بقصد إنشاء مركز لرابطة العمل الإسلامي في بيروت.

لماذا اختارت الرابطة بيروت دون سواها من العواصم لعقد القمة؟

“بيروت تحتضن أكبر تعددية طائفية، قوامها ثماني عشرة طائفة، ولبنان عزيز علينا بما يمثّل من قوة روحية في نشر الخير في الداخل والخارج، كما أنّه ببعديه التاريخي والطائفي يمكن أن يكون حاضناً للمؤتمر، وبذلك رسالة مزدوجة للداخل اللبناني وللخارج في آن، في ترسيخ قيم السلام والتعاون، وسنكون سعداء بمركز عالمي للحوار في لبنان”، قال الدكتور العيسى الذي تحدث عن أمله بقيامة لبنان ودوره، “الشخصيات التي إلتقيت بها تحمل طموحاً وأملاً بمستقبل لبنان الذي يبشر بالخير، بوجود قامات قادرة على الاضطلاع بدورها لحفظ لبنان وصون استقراره”.

رسائل مررها الزائر السعودي في معرض حديثه عن تنقية العلاقات اللبنانية الخليجية “من أيّ لاعب سياسي سلبي أو طرح إعلامي سلبي، فيجب أن يكون الجميع مدركاً لخطورة أجندات طائفية متطرفة، تؤثر سلباً على الوئام الذي يمثّل القاعدة في العلاقات بين لبنان والخليج، وسواه يمثل استثناءً وسحابة صيف”.
بدبلوماسية مقرونة ببسمة أعاد السؤال عن أزمة تأليف الحكومة إلى مطلقه “فهذا شأن لبناني”. أمّا المحكمة الدولية “فلا زلت أتابع مجرياتها، وبعد تكامل الصورة أستطيع أن أبدي وجهة نظري، وأعتقد أنّ الموضوع في سياقه الصحيح وننتظر النتائج”.

الدبلوماسية هذه لم تنسحب على الشق المتعلق بمقاربته للسياسة الإيرانية “السياسة الضعيفة المتطرفة التي تمارسها إيران في المنطقة من شأنها مضاعفة المتاعب وترسيخ حالة من عدم الاستقرار، كنّا نقول ولا زلنا أنّنا لسنا في موقع الخصومة مع الشيعة، فهم مواطنونا وأخوتنا وجيراننا ولكنّنا ضد التطرف الطائفي، وفي ظلّ سياسة الهيمنة الإيرانية لن تزيد الحالة الراهنة إلا سوءاً، ونجد نماذج عدة للدول التي تدخلت إيران في شؤونها، بحيث لم تجلب سوى المتاعب والدمار والشاهد الحي في تلك الدول يدلّ على ذلك”.

عن دور الرابطة في رأب الصدع بين إيران والمملكة العربية السعودية أجاب “صوت الاعتدال والمنطق وصل إلى إيران، من قبل كل معتدل وصادق ومحب للسلام والاستقرار في المنطقة، ولكن الأجندة السياسية المتطرفة لم تصغِ لذلك ولم تستفد من عظة التاريخ، ومن شأن مواصلة التدخل والمكابرة من قبل إيران أن يرتد عليها قبل غيرها. أمّا دول المنطقة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية فدعت إلى عدم التدخل في شؤون الدول واحترام سيادتها، وعدم فرض الإيديولوجية المتطرفة على الآخرين، وكان حرص من هذه الدول على أن يسود الأمن والاستقرار في المنطقة، غير أنّ التدخل الطائفي المتطرف لا يزال يتحدّى ويكابر عظة التاريخ”.

مطولاً تحدث الدكتور العيسى عن دور رابطة العمل الإسلامي في إيضاح حقيقة الدين الإسلامي ومواجهة الأفكار المتطرفة، سواء أكان التطرف المحسوب زوراً على الإسلام كتطرف داعش والقاعدة ، أو التطرف المضاد ونظريات الإسلاموفوبيا، والمواجهة التي تعتمدها الرابطة للوصول إلى مبتغاها تنطلق من مرتكز نشر النهج الحواري، وإطلاق العديد من المبادرات مع عدد من الدول على مستوى الحكومات والفعاليات الأهلية الرسمية، ومع عدد من المؤسسات الدينية حول العالم إسلامية وغير إسلامية، بحيث تمّ وضع مذكرة تفاهم بدأت ثمارها تنجلي في عدد من المبادرات، فضلاً عن إقامة المؤتمرات الدولية واللقاءات والحوارات المفتوحة وإصدار بيانات بلغات عدّة، لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، وللرد على أيّ صوت متطرف يحمل أفكاراً مضللة، كما أنّ خدمات الرابطة الإغاثية والإنمائية والتنموية لا تكون سوى من خلال الحكومات والمؤسسات الرسمية والشرعية في الدول”.

ما يحصل في المملكة من انفتاح يشبه النهج الوسطي للمملكة منذ أن تأسست على يد الملك عبد العزيز ” عام 79 جاء ما يسمى بالصحوة وحاولوا خطف الاعتدال الإسلامي ونشروا أفكارهم المتطرفة وكانوا دائماً في سجال مع الاعتدال، والمملكة تيقظت لخطورة هذا الفكر فقامت بإرساء معايير الاعتدال الإسلامي، وهذه الإصلاحات في المملكة تمثل عودة إلى ما قامت عليه من الوسطية الإسلامية “.

صوت الحكمة وأجندة الشراكة متاحة مع الجميع ختم الوزير السعودي، “فالحوار الحضاري والديني والثقافي أمر مهم، ولا يتحاور إلا الحكماء والأقوياء، ولا يخشى الحوار سوى الضعفاء”.

رسالةٌ الضيف السعودي يحتاج إليها لبنان أكثر من أي وقت مضى، علّها تترجم في زمن التكليف لتقصّر أمده المحكوم بسياسات الاستئثار والهيمنة من قبل من نادوا بالشراكة، محاولين التنصل منها في نهجهم الحكومي، لصالح مكاسب معطلة للعهود والأوطان.

(*) نوال سلمان-  خاص “الأنبـاء”