لأنه وليد جنبلاط…

مرة جديدة يثبت وليد جنبلاط أنه المتعالي على الصغائر. هو الناظر بعين النسر. فلا يتأثر بنعيق الغربان. قيل تاريخياً بالمختارة، بأنها عرين الأسود، وعش النسر. هي الدار التي أطلق عليها صانعة العهود.

في العام 1952 قادت المختارة الثورة الإشتراكية البيضاء التي أطاحت بالرئيس الراحل بشارة الخوري. وفي العام 1958، قادت المختارة ثورة ضد التجديد للرئيس كميل شمعون، وضد الاعتماد على القوى الخارجية، وواجهت الاستنجاد بالأسطول الأميركي السادس. ولأن التاريخ يعيد نفسه، فللدار صولات وجولات قادها وليد جنبلاط ضد عهود القمع والكيدية، وتجلى ذلك في ثورة العام 2005.

ولأن الثائر، تصغر في عينه الصغائر، وتعظم في فكره الكبائر. يبقى جنبلاط متربعاً على عرش العيش المشترك. يتعالى على تفاصيل الكيد، وسياسة ردّه بالنحر. في غمرة الخلاف الذي تحول إلى سياسي وأريد إعطاؤه طابعاً مذهبياً، خرج وليد جنبلاط بجرأته المعهودة، معلناً التمسك بالتسوية، وبرفض هز الاستقرار. الغاية فقط بالنسبة إليه الحفاظ على التعايش في هذا البلد، لا الذهاب إلى سياسات الفئوية والمصلحية، التي تدمر ما تبقى من مؤسسات. تعالى على العواطف، وعلى كل ما تعرّض له الحزب التقدمي الاشتراكي، طالباً بوقف السجالات والهجومات، والعودة إلى الأسس وإلى الثوابت. وهذه الثوابت مبدأها المصالحة، ومنتهاها بقاء الجبل موحداً متنوعاً.

تلمّس جنبلاط أكثر من محاولة للاستثمار في الصراع الذي أخذه البعض إلى غير مكانه، وأراد الاستثمار فيه لتزكية الخلاف. قرأ ما بين السطور وأعلن وقف السجال. وكأنه، وقف في باحة الدار. الدار واسعة، مداها مفتوح للشمس، الشمس ساطعة، والرؤية فاقعة. لا حاجة لاستمرار الخلاف، الناس قاشعة. من على سفوح الدار، ينبسط لبنان ككف اليد تحت ناظريه. فعل اليد بالنسبة إليه للضمّ وليس للضرب. الضم يبدأ بالسلام، والسلام نتيجته الكلام، وما الكلام إلا حوار. هو الحوار الذي أنشده مجدداً لحماية البلد، ومن يريد بقاء البلد، لا يدخل في حسابات ضيقة. ينظر إليه من الأفق. من أفق المختارة، حيث يقف وليد جنبلاط ويقرأ التاريخ جيداً. ويبدي حرصاً على المستقبل.

ربيع سرجون – الأنباء