سلة لبنان تطلق العنان.. منتخب سوبوتيتش من طينة أُخرى

من شاهد منتخب لبنان في كرة السلة في آخر ظهورين يدرك الانتفاضة النوعية التي أصابت الفريق على جميع الأصعدة الفنية والمعنوية بخلاف الفترات السابقة التي شهدت تذبذباً كبيراً في الأداء.

فلبنان، الموصوف أنّه يملك أقوى دوري كرة سلة عربي، وواحد من الأقوى آسيوياً وذو سمعة عالمية طيبة جعلته قبلة لخيرة المحترفين، عانى في السنوات الأخيرة من تراجع وعدم ثبات في مستوى المنتخب رغم الوفرة الدائمة في المواهب.

لعل هذا التخبط كان انعكاساً لمشاكل إدارية طالت الاتحادات السابقة رغم أنه لم يبخل على ممثل الوطن وخير مثال بطولة آسيا 2017 حين تم التعاقد مع المدرب الليتواني الذائع الصيت راموناس بوتاوتاس، ومع المحترف من الدوري الإيطالي وقتها نورفيل بيل الذي بات مع فيلادلفيا سفنتي سيكسرز! ورغم اكتمال العناصر معززة بأسطورة السلة في لبنان فادي الخطيب إلا أن منتخب الأرز خيّب الآمال بسقوطه في ربع النهائي أمام إيران.

في المنطق الرياضي العام، لا نفع إن كان لديك بطولة محلية تنافسية قوية لا تنتج منتخباً صلباً منافساً، وهذا ما حصل في لبنان حيث حافظ الدوري المحلي على مستوى متقدم دون أن ينعكس ذلك على الفريق الوطني.

ولهذا الإخفاق أكثر من سبب، منها اعتماد نظام الأجانب الثلاثة على أرض الملعب وعدم إيجاد المدرب الملائم لاستلام المنتخب أو عدم تضافر العوامل كافة من إدارية وفنية ومالية لإنتاج مجموعة قادرة على إحياء إنجازات السنين العشر الأولى من الألفية الحالية.

ورغم أن النزاعات الإدارية استمرت حتى قبل منتصف الصيف الحالي مع انقسام الاتحاد السابق وانسحابها إلى داخل أروقة المنتخب كما أشيع، إلا أن الأمور أخذت شكلاً مختلفاً مع انتخاب اتحاد جديد برئاسة أكرم الحلبي أواخر شهر يوليو الفائت.

وأدى هذا التغيير إلى صدمات إيجابية متلاحقة على أكثر من صعيد مع تغيير جذري في مقاربات الأمور، وأول الغيث كان تسليم دفة المنتخب للمدرب سلوبودان سوبوتيتش الضليع بشؤون السلة اللبنانية خلفاً لسلفه باتريك سابا الذي قاد لبنان إلى انتصارات هامة على سوريا والأردن والهند في تصفيات كأس العالم بمرحلتها الأولى.

انعكاس تولي سوبوتيتش ظهر منذ الأيام الأولى مع رفع “الفيتو” عن أحد أبرز المواهب الشابة أحمد إبراهيم المستبعد سابقاً، وإعادة “القاطرة” علي حيدر الذي غاب عن لقاء سوريا لما قيل إنه نتيجة خلاف مع المدرب.

والمعروف عن سوبوتيتش الذي تولى تدريب الرياضي بيروت في الفترة بين 2012 و2016 حاصداً الدوري ثلاث مرات، صرامته التدريبية وعشقه للأسلوب الدفاعي الجماعي وغياب فكرة النجم الأوحد وهي أمور ليست سهلة التطبيق في لبنان حيث ان سمة الانضباط الأوروبي ليست هي الطاغية لدى نجوم السلة اللبنانية.

ورغم أنه من المبكر جداً الحكم على مسيرة سوبوتيتش الطرية زمناً مع منتخب الأرز، إلا أن بصمات السلوفيني حتى الآن لا غبار عليها، فالمدرب الحامل الجنسية اليونانية أيضاً أظهر لبنان بأفضل صور فنية له منذ سنوات طويلة حتى إن البعض عاد به الزمن إلى منتخب دراغان راتزا الصربي عام 2007 صاحب آخر فضية لبنانية آسيوية.

فمع “بيكسي” وهو لقب المدرب السلوفيني، خاض لبنان معسكراً تركياً ممتازاً واجه خلاله المغرب وتونس والكاميرون، أعاد خلاله مد جسور الثقة بين الجمهور والمنتخب من جهة وبين اللاعبين وإمكاناتهم من جهة أخرى، رغم توالي عواصف الغيابات للاعبين أساسيين وصلت إلى 6 مع كتابة هذه السطور.

منسوب الثقة هذا جعل لبنان بمختلف أطيافه وعلى مدى أسبوع يعيش على وقع مواجهة الصين مع انطلاق المرحلة الحاسمة من تصفيات المونديال، وهو وقع دوى أمام صاحب ذهبية الألعاب الآسيوية الأخيرة، حيث تخطى لبنان كافة المعوقات مسقطاً العملاق الآسيوي بعد مباراة أبت أن تنتهي بأربعة أرباع محققاً ثاني فوز على الصين في لقاء تألق فيه الجميع لاسيما حيدر-إبراهيم ما عكس صوابية إعادتهما كما لمع ايلي رستم وايلي شمعون الذي أصيب بقطع في وتر أخيل بالإضافة للمجنس اتر ماجوك الذي يقدم مستويات مذهلة والبقية امثال دانيال فارس وأمير سعود ورودريغ عقل…

ورغم سوء جدولة المباريات التي لم تعر السفرات المرهقة اهتماماً، حزم رجال الأرز حقائبهم بعيد النصر بساعات، ليمضوا بعدها في رحلة تخطت الثلاثين ساعة إلى أوكلاند لملاقاة الوافد الأوقياني إلى القارة الصفراء، منتخب نيوزيلندا، وعلى أكفهم حلم شعب لطالما ثمل في عشق منتخبه.

هناك في روتوروا، كان رجال الأرز خير سفراء لبلد تسبقه دوماً سمعته السلوية، فتخطوا كل الصعوبات البدنية والنفسية وعدم القدرة على الاستشفاء والفارق الزمني حتى فاقت بطوليتهم التوقعات، فقدمواً ملحمة أرهقت صاحب الضيافة طوال 40 دقيقة رغم التحاق أمير سعود بركب المصابين، ولم يسلّم لبنان الراية إلا في الدقيقة الأخيرة التي شهدت انتفاضة محترفي البوندسليغا مانحة “راقصي الهاكا” فوزاً بالغ الصعوبة 63-60  كان في متناول اللبنانيين.

ويقينا لولا الإرهاق الذي انعكس على أداء اللاعبين في قراراتهم احياناً أو دقة تصويباتهم أحياناً أخرى، لكان حديث آخر، خصوصاً إن علمناً مثلاً أن لبنان سدد بنسبة 59% عن الرميات الحرة (13-22) وهو أحد العوامل التي كان يمكن ان تقلب المباراة.

في المحصلة، ظهر منتخب لبنان المتجدد حتى الآن واثقاً جداً، صلباً دفاعياً لا يهاب منافساً مدركاً لاستراتيجياته، ورغم بعض نقاط الضعف التي ظهرت مثل التصويب الثلاثي أو المرتدات الدفاعية، إلا أنّ الأكيد أن نسخة سوبوتيتش، الغنية بالمواهب التي لم تكتمل بعد والمُتابعة من اتحاد طموح وصاحب رؤيا تبدو في مسار تصاعدي جعل اللبنانيين يستبشرون خيراً باستعادة أمجاد طال غيابها وظمئوا لها.

المصدر: beIN