ندوة حاشدة لـ”التقدمي”- بيروت في ذكرى المواجهة البطولية ضد الإحتلال الإسرائيلي

وطى المصيطبة – “الأنباء”

بمناسبة الذكرى الـ 36 للمواجهة البطولية الأولى في بيروت ضد العدو الإسرائيلي وعملائه بتاريخ 16 أيلول 1982 نظمت وكالة داخلية بيروت في الحزب التقدمي الاشتراكي لقاءً سياسياً تحدث فيه المناضل زياد صعب، النائب السابق محمد قباني وأمين السر العام في الحزب  ظافر ناصر في قاعة نادي الصفا الرياضي – بيروت- وطى المصيطبة  بحضور عضو اللقاء الديمقراطي النائب فيصل الصايغ، اعضاء مجلسي القيادة والمفوضين ووكلاء الداخلية، أعضاء هيئة وكالة داخلية بيروت ومدراء الفروع..

بداية تحدث صعب، فقال:”من هنا، من وطى المصيطبة، إلى الجامعة العربية، وجامع جمال عبد الناصر، ومقر منظمة التحرير الفلسطينية على كورنيش المزرعة، وطلعة شحادة، وسوق الخضار (نفق سليم سلام حالياً) إلى الويمبي وصيدلية بسترس، والزيدانية وعين المريسة…، وعند كل مُفترقٍ من بيروت كانت تُسطّر أروع ملاحمِ البطولة.. ولم يمض سوى أحد عشر يوماً على إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، حتى راح جنود الإحتلال يجوبون شوارع بيروت مردّدين عبر مكبرات الصوت “يا أهالي بيروت الكِرام، لا تطلقوا النار على جنودنا، نحن راحلين عن مدينتكم”. لتؤكّد بيروت مرةً أخرى لقب العاصمة الأبهى، والأكثر رسوخاً في الوجدان العربي بصفتها عاصمة لا تسكت على ضيم، ولا تستكين لإحتلال”.

تابع: “إذا كان لي شرف الإنخراط في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وشرف الإسهام في قيادة بعض وحداتها، غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن السنوات الست وثلاثين التي انقضت على تأسيس الجبهة، بما احتوته من تطورات، تُشكّلُ مدعاةً للإشارة إلى أنني لم انخرط في هذا الغمار انخراطاً تقنياً، أو إنخراط ضابطٍ خبير، مدرّب، يمتثلُ للأوامر، ويضع التكتيكات الأمثل لتنفيذها.. وإنما كان الدافعُ مسبقاً هو الإنحيازُ إلى الحلمِ ببناء وطنٍ علماني ديمقراطي، يسوده نظامٌ أكثر عدالةً وأكثر إنسانية.. وهذا الحلمُ ما زال يُلازمني طيلة هذه العقود الغنية بالتجارب والتغيرات، التي شملت بمفاعيلها كل كوكب الأرض. والحال، إذ تعطف تجربتي في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية على هذا الكمِ الهائلِ من التحولات المنوّه عنها أعلاه، فهذا يساعدني على إيراد الملاحظات الخمس التالية:

وسأل: “هل من سبيلٍ لبناء ذاكرةٍ لبنانية تعكس قبول اللبنانيين لبعضهم البعض، وتُسهم في بناء وطن يتساوى فيه الجميع أمام القانون وفيه، وتتوفر فيه الحقوق في المسكن والمأكل والعمل وكافة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الأخرى؟ هل من سبيلٍ إلى بناء ذاكرة تختزنُ إنجازات الجميع وبدون انقطاع أو فجوات، فنعترف مثلاً بأن لبنان الذي دحر الإحتلال الإسرائيلي العام 2000 هو ذاته لبنان القبضات المرفوعة بوجه نظام الوصاية السورية العام 2005″؟

وختم قائلا:  “وفي العودةِ لذكرى تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فإن ما يدعو للتساؤل بعد انقضاء ست وثلاثين عاماً على تأسيس المقاومة، وبعد إنقضاء ثمانية عشر عاماً على تحرير الجنوب، فذلك يحتّم علينا البحث في ما إذا كنا قد أجدنا العودة إلى الخير العام، وما إذا كان خطر الإحتلال لا يزال ماثلاً؟ وللتوضيح إذا كان الإحتلال ينتهك السيادة الوطنية ويغطّل الآليات الديمقراطية، وينهب خيرات البلد ويعمّم القمع والتسلط.. فهل يقدم الوضع الراهن ما هو خلاف ذلك، أم أن السائد هو غياب الرؤية الموحدة للخير العام، وهذا الغياب يشكّل بدورِه مدخلاً دائماً للتدخلات الخارجية، وسبباً للتوترات الداخلية والتنابذ ولزرع الأحقاد، وعامل تهديدٍ للسلم الأهلي، وبؤرة توالد للأزمات الإقتصادية والإجتماعية…إلخ. وكل ذلك يطرح علينا تحدي التأسيس لمقاومة كل ما يهدد الخير العام.. ونقول عبثاً يبني البناؤون، ومن العبث الإنخراط في المحاور، وعبثاً تغطية الممارسات بالشعارات الفاسدة البرّاقة، وعبثاً تغليب المصالح والمحاصصات على حساب مصالح الشعب والخير العام. وبعد، رب سائلٍ ماذا عن العدوان الخارجي؟ وهنا أودُّ الإشارة إلى أنه صحيح أن ردّ العدوان مسألة تكفلها كافة الشرعات والمواثيق، ولكن ألا يحق لنا التساؤل في المقابل: متى يرفعُ العلمُ اللبناني وحده، ولمرةٍ واحدةٍ ونهائية، فوق البيوت المزهُوة المنتصرة، بدلاً من أن يرفع مرات ومرات فوق ركام البيوت المُدمّرةِ المحروقة؟

قباني

بدوره، قال قباني: “نحن اليوم هنا في احتفال لإحياء الذكرى السادسة والثلاثين للمواجهة البطولية التي قام بها أبناء بيروت وعلى رأسهم الحزب التقدمي الإشتراكي ضد العدو الصهيوني في 16-9-1982، قبل 36 سنة تماماً. أود أن اشير إلى أن هذه المواجهة هي صفحة وهنا لا استطيع أن أذكر تفاصيل كما ذكر الزميل زياد صعب، لكن، سأتكلم حول كمال جنبلاط المناضل وبيروت المناضلة، هذه المعركة كانت صفحة من العلاقة بين قائد عملاق مناضل ومدينة صامدة مناضلة  (كمال جنبلاط وبيروت)، وفي هذه المعركة هنا قبل 36 سنة لم يكن كمال جنبلاط قد رحل إلا جسدياً لكنه كان مع المقاتلين في كل معركة، يحمل البندقية معهم، يقاتل معهم ويساندهم، كل يد تحمل وحملت بندقية لتلك المواجهة البطولية كان كمال جنبلاط معها يساعدها ويدفعها ويلهمها على الاقتتال والتحرير”.

اضاف: “العلاقة بين المناضل كمال جنبلاط والصامدة المناضلة بيروت، عشتها معه وبالنسبة لي هي الزمن الجميل، كان العمل السياسي عطاءً وتضحية، فيما هو اليوم أخذ ومصالح على حساب الشعب”.

وقال: “انجبت بيروت 3 عمالقة: جمال عبد الناصر ثم كمال جنبلاط ثم رفيق الحريري، عمالقة كبار أمضوا سنوات حياتهم القصار في العطاء حتى الشهادة، جمال عبد الناصر عاش 52 عاماً، كمال جنبلاط 60 عاماً، ورفيق الحريري 61 عاماً. بدأ إعجابي بكمال جنبلاط  كمعظم البيارتة في ثورة 58 ثم ان النائب الراحل فريد جبران وهو مرشح كمال جنبلاط الدائم في الدائرة الثانية كان يكفي ان يذكر على لوحات الإعلانات الكلمات التالية فريد جبران مرشح كمال جنبلاط، وكانت هذه الكلمات تكفي ليصبح نائباً دائماً عن بيروت في دائرتها الثانية، لقائي الأول مع المعلم الشهيد كان 1961 في المختارة، وأذكر انني ذهبت مع وفد قيادي من حركة القوميين العرب كنت طبعاً أصغرهم سنا، وإلتقينا القائد العملاق في غرفة نومه في الطابق العلوي من قصر المختارة، كان الحديث يومها ينصب ويتركز على الدكتور جورج حبش والذي كان يومها سجينا في سجون الإنفصال في دمشق، وعما يجب يتم العمل من أجل مساعدة او إخراج جورج حبش من سجن الإنفصال الى الرحاب العربي”.

تابع: “أود ان أذكر هنا ان جورج حبش عندما خرج من السجون اجتاز به رفيق الحريري الحدود السورية اللبنانية حاملاً إياه على كتفيه في الجبال، وسلمه الى المناضل المرحوم منير منيمنة، ثم توطدت علاقتي بكمال جنبلاط منذ نهاية الستينات وحتى استشهاده عام 1977، أعتز انني كنت صلة الوصل بين المناضل العملاق كمال جنبلاط والمفتي العملاق حسن خالد، وكنت ثالثهما في كافة اجتماعاتهما على الإطلاق، وما زلت أذكر أنني رافقته في سيارته المرسيدس الخضراء الى عائشة بكار، وحاول الناس هناك، أهل بيروت، ومعظمهم كانوا من السُّنة، حاولوا ان يرفعوا سيارته لكن هذا المشهد ما زال حافراً في نفسي يظهر محبة أهل بيروت لكمال جنبلاط المناضل وكمال جنبلاط رفيق عبد الناصر، محطات أود ذكرها تؤكد ان حياة كمال جنبلاط وان استشهاده كان دفاعا عن عروبة لبنان وفلسطين. طبعا، كنت شاباً صغيراً وكان كمال جنبلاط على تواصل مع السياسيين الشباب ويأخذ برأيهم…

ناصر

من جهته، قال ناصر: “يتأكد سنة بعد سنة أن لقاء من هذا النوع هو حاجة ملحة، ويتأكد عاماً بعد عام أن الكلام عن الحقائق التاريخية هو أمر مُلح. عناوين متوجة بعنوان أساسي وهو: الحقائق المرتبطة بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية على مستوى سياسي في مرحلة انطلاقتها والحقيقة المرة التي تلت تلك المرحلة.  أولاً ومن خلال هذا اللقاء في ذكرى عملية أساسية تمت في وطى المصيطبة، وذكرى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، التحية الأولى للمعلم الشهيد كمال جنبلاط وللرئيس وليد جنبلاط، اللذين أطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من منزلهما في المصيطبة في بيروت، بيروت جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط، بيروت رفيق الحريري”.

أضاف: “التحية موصولة لأمين عام الحزب الشيوعي الأسبق الشهيد جورج حاوي، وأمين عام منظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم، ولكل شهداء جبهة المقاومة اللبنانية الوطنية، للجرحى وللأسرى كل التحية، والتحية موصولة لكل فصائل المقاومة التي رافقت تلك المرحلة، فصائل يسارية أو حتى فصائل اسلامية، هذه الحقائق يجب ان نتحدث عنها في كل سنة في مثل هذا اليوم”.

وأشار الى ان “الحقيقة الأولى هي مكان إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، أي منزل المعلم الشهيد كمال جنبلاط والرئيس وليد جنبلاط آنذاك. هذا المنزل الذي شكل مركز الإجتماع السياسي للقوى الوطنية اللبنانية ولشخصيات مستقلة آمنت بلبنان الموحد، لبنان خارج القيد الطائفي، لبنان المستقل والمتطور والمتقدم، آمنت بلبنان الحقيقي وبالمواطن اللبناني الحقيقي، لأننا عندما نتحدث عن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وإطلاقها، لا يمكن أن نفصل بين تحرير الأرض وتحرير الإنسان المشروع الذي حملته تلك القوى بقيادة كمال جنبلاط وللأسف ربما في مراحل كثيرة وقعنا في هذا الخلل ولذلك ما زلنا نعاني من مشاكل عديدة”.

اضاف: “الحقيقة الثانية هي الحقيقة السياسية التي عبر عنها بيان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية آنذاك الذي أطلقة جورج حاوي ومحسن ابراهيم، هذه الحقيقة هي الإرادة والقرار السياسيين في مواجهة العدو الإسرائيلي، والدعوة إلى حمل السلاح، ودعوة كل اللبنانيين دون استثناء، هذا كان أهم ما تضمنه البيان، لأنه لم يتوجه إلى فئة من الناس ولا إلى قوى سياسية، بل دعا كل اللبنانيين إلى حمل السلاح لمواجهة العدو الإسرائيلي، هذا يعبر عن إيمان تلك القوى السياسية بعروبة لبنان ومواجهة العدو الإسرائيلي مهما كلف ذلك من تضحيات”.

تابع: “الحقيقة الثالثة هي أن هذه الدعوة حملها شباب وشابات لبنان بانتماءاتهم المختلفة إلى الأحزاب والقوى السياسية على اختلافها وتنوعها، هؤلاء الشباب منهم من استشهد ومنهم من ضحى وأُسر ومنهم من جرح سواء كانوا ينتمون إلى حزبنا في العديد من المعارك التي ذكرها الرفيق جميل في بيروت وغيرها أيضاً. هؤلاء الشباب دفعوا ثمناً كبيراً وقدموا تضحيات كبيرة في تلك المواجهة وكانوا في طلائع الشعب اللبناني في تقديم هذه التضحيات وكانت لهم من شرائح المجتمع  اللبناني المواكبة الشعبية والسياسية”.

أخيراً، يبقى عهد جبهة المقاومة الوطنية والنضال الحقيقي في سبيل قضية محقة عهداً راسخاً في الضمير والوجدان”.

(الأنباء)