جنبلاط وحيداً: النظام السوري يهدد

منير الربيع (المدن)

اتخذ الصراع بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر منحى لم يكن متوقعاً. وصل الاشتباك إلى إدارات الدولة، فكانت حرب التصفيات الوظيفية، التي لا يمكن المجاملة في وصفها. المسألة أكبر من موقع ومن نقل موظفة من موقعها. قرار وزير التربية مروان حمادة شكّل فرصة للتيار لاستمرار حربه ضد وليد جنبلاط. ويعرف التيار أن أي مواجهة من هذا النوع تفيده مسيحياً، وتحسّن موقعه من خلال إثارة الغرائز والتنامي على مبدأ الدفاع عن حقوق المسيحيين. والمفارقة أن الردود على قرار حمادة بتعيين أمل شعبان بدلاً من هيلدا خوري، تضمّن هجومات تعتبر أن حمادة مسّ بمواقع المسيحيين في الإدارات، على الرغم من أن شعبان هي أيضاً مسيحية. وهذا ما يدفع البعض إلى اعتبار أن ثمة طائفة جديدة قد ولدت في لبنان، وهي طائفة العونيين، تنفصل عن المسيحيين الآخرين، ومن الواجب الدفاع عن حقوقها فحسب.

يريد التيار أن ينتهز أي مناسبة لتوجيه ضربة إلى الاشتراكي. أعلنها الوزير جبران باسيل ذات مرّة بأنه لن يسمح لجنبلاط أن يتمتع بدور الميزان السياسي. نتائج هذه الخلاصة تقود إلى وجوب تحجيم جنبلاط وتطويقه ومصادرة دوره. وذلك بدأ في الانتخابات النيابية، ويستمر اليوم في الكباش بشأن تشكيل الحكومة. ما يريده التيار أصبح واضحاً، الدخول إلى الجبل، وكسر حصرية الزعامة الجنبلاطية. ولكن لهذا أيضاً أهدافاً أخرى، منها الانتقام من جنبلاط، ليس من قبل التيار فحسب، بل يتلاقى على هذه النقطة التيار مع توجيهات من النظام السوري.

عملياً، سقطت كل محاولات ضبط الوضع، الحرب اشتعلت على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أخذ جنبلاط خطوات متقدّمة منذ أيام، متمايزاً في ذلك عن كل الأفرقاء، لا سيما الذين يتعارضون مع توجهات رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل. فرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يهاجم باسيل ولكن يغازل عون مراهناً عليه. كذلك هي حال الرئيس سعد الحريري. فيما خرج جنبلاط بموقف متقدّم واصفاً أركان العهد بالعلوج، لاعناً الساعة التي أتت بهم إلى الحكم. واستكمل الهجوم النائب وائل أبو فاعور الذي اعتبر أن التاريخ سيسجل لهذه الولاية الرئاسية أنها صعّدت منسوب الطائفية.

البوادر الإيجابية التي تحدّث عنها الرئيس نبيه بري لحلّ العقدة الدرزية، ربما قد تتبدد. وهناك من يصف جنبلاط بأنه “يجوهر أيام الأزمات، ويبدع في فترات الصعاب”. لذلك، هو لا يتراجع ولا يتنازل حين يتركز الهجوم عليه بتهديد وجوده. رفع السقف ووصف بعض أركان العهد بالعلوج بعد وصف العهد بالفاشل، أمور تصبّ في اتجاه واحد، وهو أن جنبلاط لن يساوم هذه المرّة لتمرير التسوية على حسابه، على الرغم من استشعاره استعداداً للتنازل مع قبل الحريري وجعجع.

وفي الوقت الذي تشير بعض المعلومات إلى أن الحريري يحاول إيجاد مخارج ترضي عون لانجاز التشكيلة، وفي وقت أبدت فيه القوات اللبنانية مرونة واستعداداً للتنازل وصل إلى حدّ القبول بأربع وزارات متخلية عن الوزارة السيادية، ويسعى الحريري إلى إقناع معراب بالقبول بهذه الوزارات الأربع بينها وزارة دولة، يذهب جنبلاط بعيداً في تصعيده رفضاً للتطويق. وقد يجد نفسه وحيداً في هذه المعركة مجدداً، تماماً كما وجد نفسه وحيداً في الحرب الوظائفية، لأن خطوة حمادة جاءت بطلب من الرئيس الحريري، وعند فتح التيار المواجهة وظيفياً غاب المستقبل عن النزال، ولم يساند موقف جنبلاط ولم يصدر أي موقف يعارض ما قام به وزراء التيار الوطني الحر.

تفيد بعض المعلومات بأن رسائل عديدة أراد النظام السوري توجيهها إلى جنبلاط، تنطوي على تهديد ليس أمنياً بالضرورة، ولكن تهديد دوره السياسي، وبأن معركة الانتقام منه هي الأساس، وبأنه على رأس جدول لائحة النظام للسياسيين الذين سينتقم منهم، تارة عبر النائب طلال ارسلان، وطوراً عبر التيار الوطني الحر. في المقابل، ذهب جنبلاط بعيداً في طروحاته، التي وصلت إلى حدّ التلويح بإطلاق معارضة للعهد، وجبهة لمواجهة التطبيع مع النظام السوري. هو يعلم أنه لن يكون قادراً وحده على ذلك، ويعتبر أن الخزان الذي يقود هكذا جبهة او انتفاضة، هو السنّة، لكن السنّة لا يريدون. ولذلك لا بد من توقّع الأصعب.