عادل مالك يكتب لـ”الأنباء”: قالها كمال جنبلاط “أوقفوا التكاذب المشترك”!

بمعزل عما ستؤول إليه أزمة تأليف الحكومة العتيدة وفي ما يتخطى الأزمة الآنية والمرحلية، والتخلص مما يُطلق عليه بـ”عُقَد التشكيل الوزاري”، هناك بعض الكلام الذي يجب أن يقال بكل الشجاعة والشفافية تقترن كثيراً محاكاة ومعاناة عمق الأزمة التي يعاني منها الوطن هذه الأيام. أن ما يُطلق عليه أزمة تأليف الحكومة والاختلافات المستعرة على غير جبهة وصعيد هي أزمة تأليف… وطن… نعم تأليف وطن والسعي الى استعادة لبنان ذلك الزمان.

في خضم هذا الأتون المتأجج بالخلافات والاختلافات وأسوأ ما في الأزمة القائمة هذه الأجواء الملوّثة بألف لون ولون ومن أقذرها الآفة الطائفيّة والمذهبيّة ، والمناطقيّة وهي التي تعربد في صميم الحضور الوجودي وتعصف بكل ما تركه لنا الآباء والأجداد، ولا ندري ما الذي ستخلفه للأبناء للآتي من الأيام.

لقد قيض لي أن أعايش كل التطوّرات والأزمات التي عصفت بالوطن الصغير على ما يزيد على نصف قرن (خمسة وخمسون عاماً بالتمام والكمال) .

ومن منطلق النظرة التي تجمع الماضي مع الحاضر بلوغاً الى استشراف ما هو آتٍ في المستقبل.

شاهد على العصر

أرجو النظر الى هذا المقال من زاوية شاهد على العصر.

مستحضراً أقوال بعض الرجال اللبنانيين التاريخيين:

أولاً: من الوجوه الاستثنائية والبارزة الذين أنجبهم الوطن هو الزعيم الاستثنائي كمال جنبلاط.

وذات يوم وفي واحد من اللقاءات النادرة مع سيّد المختارة، كان الموضوع المطروح للتداول، في حينه، ما هو الوطن الذي نطمح الى بلوغه، ما هي ركائز بنائه؟ ومن أين يمكن ان تكون البداية لهذا الوطن الجديد؟

وأكتفي بما خلص إليه النقاش في هذا الشأن حيث قال المعلّم كمال جنبلاط: المطلوب أولاً هو وقف التكاذب المشترك بين مختلف اللبنانيين كمدخل لهذا اللبنان الساعين اليه بشتّى الوسائل والاشارة هنا واضحة بل شديدة الوضوح، من حيث تثبيت “الشراكة الوطنية” وفق معايير صادقة ونقيّة بين أبناء الوطن تمهيداً لبدء عملية بناء الوطن الجديد.

وفي شأن متصل بهذا المعنى، عملت خلال سنوات طويلة على طرح السؤال الذي وإن عثرنا على الاجابة الصادقة عليه، بدأنا رحلة بناء الوطن، ألا وهو التالي: هل نحن في وطن متماسك ويجب العمل على كل أمر ممكن حتى نعزز هذا التماسك الوطني لمنع تقسيم الوطن… أم ان لبنان بواقع الحال فيه : هل هو وطن مقسّم فعلياً ويجب العمل بكل الوسائل والقناعات واسترداد وحدة الوطن اللبناني فيه لاستعادة وحدته؟

واعترف وبكل مرارة أنني لم أتلقَ الجواب الصادق على هذا السؤال… وكل ما صدر لا يتخطى حدود التغزل بصيغة العيش المشترك.

هنا نعود الى طرح الزعيم كمال جنبلاط من حيث الدعوة الى “وقف التكاذب المشترك” بين صنّاع القرار، أو مَن تبقى منهم .

ثانياً: ما هذا الشغف لدى بعض “الفصائل اللبنانية” باستيراد الأزمات من الخارج ، والفشل في التوصل لحلول لها في الداخل! والأمثلة والشواهد كثيرة: منها على سبيل المثال لا الحصر: “اتفاق الطائف” بالمملكة العربية السعودية الذي أنهى، ولو من حيث المبدأ ، سلسلة من الحروب الأهلية منذ منتصف ستينات القرن الماضي، وانتهت مطلع حقبة التسعينات ! هل انتهت فعلاً؟

هذا يحتاج الى مقال بل الى مقالات أخرى بطرح موضوع “اتفاق الطائف”، ما له وما عليه .

ومثال آخر على حلول خارج الحدود القريب منها والبعيد، يوم قرر صنّاع القرار أو مَن تبقى منهم في التلاقي في ما بينهم على أرض الوطن… فالتقوا على متن طائرة قطرية… ليتم التفاهم على ما عُرف بــ”اتفاق الدوحة”.

ثالثاً: وهل يمكن ان ننسى بقاء لبنان أكثر من سنتين بدون رئيس للجمهورية، الى ان حلّت “الصيغة العجائبية” والتي أدّت الى انتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، “شاء مَن شاء وأبى مَن أبى”!

لقد انقضى على عهد الرئيس ميشال عون ما يقرب من السنتين وحكومة العهد الأولى، والتسمية لسيّد العهد، لم تؤلف حتى كتابة هذه السطور، لكن وبمعزل  عمّا ستفضي إليه “التسوية الوزارية الجديدة”، فإن ما يحيط بالوطن أكثر وأخطر من أزمة عادية. لقد جرت الانتخابات النيابية وفق القانون النسبـي، وفاز مَن فاز وسقط مَن سقط. وفي ما يتعدّى “حرب المحاصصات”… بين مختلف الكتل والهيئات، لكن يبقى الأهم هو تأليف الوطن. وليس تأليف الحكومات فحسب.

وكلام صادق لمن يوالي العهد وسيّده: ليست هي المشكلة بل إنّ المهم هو معرفة كيف يحب الموالون هذا العهد وكيف يخدمون هذا العهد.

وهذا العنصر هو التالي:

لا يمكن بناء الوطن ولبنان الحقيقي كما عرفناه، وعامل الثقة هو المفقود الكبير في ورشة اعادة اعمار الوطن.

وفي الكلام الأخير نسجل التالي:

الوطن يتحلّل: والهيكل يترنّح قبل السقوط المريع في المستنقع الكبير والخطير.

ذات يوم كان شارل الحلو رئيساً للجمهورية. كنت في لقاء معه، وكان الحديث  حول الخلافات التي تعصف بالسياسيين في التهافت على تولي الرئاسة الأولى، وعندما سألته كيف يمكن معالجة ما يشهده الوطن من سجالات وانقسامات ومشادّات، قال لي: “المهم ان تبقى الجمهورية كي يتنافس رأسها ورئيسها”.

عيب.. أيها السادة. فالتمرد على ركائز الوطن ليس بطولة، بل التواضع هو قمّة التضحية وليسمح لنا الغيارى على “العيش المشترك” والحفاظ على “الصيغة”.

افعلوها ولو لمرة وحيدة: إن لبنان هو فعلاً لا قولاً الوطن النهائي لجميع أبنائه.

وأختم بكلام لكبير من لبنان يدعى جبران خليل جبران الذي قال: “لا تسأل ماذا فعل لك الوطن، بل السؤال يجب أن يكون: ماذا فعلت أنت للوطن”.

وسلام على مَن إتبع الهدى.

خاص -“الأنباء”