من الذاكرة

وهبي أبو فاعور

في المنارة – البقاع الغربي لنا سنديانة معمّرة ما زادتها السنون إلا صلابةً في اعتماد الخط الصحيح في الدفاع عن التقدمية الإشتراكية، فهو عربي بامتياز، عروبته صادقة لا تحمل الزغل، رفيقٌ قوميٌّ عربي وكادح يوصل ليله بنهاره، همّه نشر العلم والمحبة وحب الفقراء العصاميين، فأسس وأدار ثانوية المنارة التي استحقت لقب منارة ثانويات البقاع بأسرتها التربوية الرائعة.

إنّه ابراهيم أبوعرب أيوب، نال عن جدارة أيقونة النضال من اثنين من القادة المناضلين المرحومين أنور حسيب الفطايري ومحمود جميل الميس. عُرف عن إبراهيم ميزة أخرى لا يجاريه فيها أحد ألا وهي حب السير على الأقدام لتنفيذ أوامر المهمة دون انتظار سيارات النقل.

كان الرفيق إبراهيم أستاذاً في ثانوية جب جنين الرسمية، واضطر إلى أن يغيب عنها أربعة أشهر من 28 أيار 1978 حتى نهاية أيلول من العام نفسه.

غاب الرفيق بمهمة كلّف بها وهي قيادة الدورة العسكرية لقوات الشهيد كمال جنبلاط في الاتحاد السوفياتي العظيم. وكان رفاقه من قيادات القطاعات والمحاور يملكون من الشجاعة والتصميم والإرادة ما يؤهلهم لأن يحرزوا رتبة آمري سرايا في جيش التحرير الشعبي.
غاب الرفيق إبراهيم مدة أربعة أشهر عن دوامه في الثانوية، ولما عاد بمعنويات القوة والمعرفة التي اكتسبها، حضر إلى ثانويته لقبض رواتب الشهور الأربعة، فطلب إليه المدير الشاطر أن يبرر غياب شهر حزيران أما أشهر الصيف فما في مشكلة. وحار إبراهيم في الأمر وهو المتابع الجيد لمجريات الأحداث، فالدنيا خربانة والبلد على كفّ عفريت. ففي الشمال صراعٌ دمويٌ أدى إلى اغتيال مسؤول الكتائب جود البايع، ورُدّ عليه باغتيال الزعيم طوني فرنجية. أما في بيروت فدُكت الأشرفية بالمدفعية السورية طيلة مئة يوم. وفي الفياضية جرت إشتباكاتٌ عنيفة بين القوات السورية والجيش اللبناني. ناهيك عن آثار عملية الليطاني في الجنوب اللبناني، وما جرّته من كوارث وويلات من قبل العدو الإسرائيلي وعملائه. وكل هذه الأحداث لم تؤثر في المدير الشاطر أن يكف عن تطبيق القانون بحق الفقير لله إبراهيم أبو عرب.

وكان على رأس مديرية التعليم الثانوي المرحوم محمد الحاج، وهو مشهور بوقاره وقانونيته، فلم يقبل إلا باستجواب إبراهيم بناء لمادة قانونية تحكم بالطرد من الوظيفة على كل من يتغيب عن وظيفته 15 يوماً بدون مبرر، وهنا الطامة الكبرى، فإبراهيم خريج كلية التربية وليس أجيراً مياوماً أفنى نصف عمره في الدرس والتنقيب.

فقررنا معاً أن نعرض الموضوع على المرحوم الرفيق أنور الفطايري ربما يستطيع أن يطلب مساعدة من المدير العام للتربية الوطنية يومها المغفور له الدكتور سليم حريز.

عرضنا الموضوع بتفاصيله المملة على المرحوم أنور ونحن متجهمو الوجه ومربكون للأمر، فابتسم وقال (محلولة)، ولكن كيف محلولة يا رفيق؟ فأجاب غداً تذهب للاستجواب وتعترف بأنك كنت معتقلاً عند الفريق الآخر دون تحديده.

فوجئ المرحوم محمد الحاج بالجواب، وأقفل جلسة الاستجواب، وحمل الملف إلى مكتب مدير عام التربية الذي كان الحل لديه بأن يتدخل المرحوم الرفيق أنور الفطايري لطي هذا الملف حتى لا يحصل ما لا تُحمد عقباه بدءاً من المديرية وصولاً إلى التفتيش!!!

هذا ما حصل، فربح إبراهيم الجولة واحتفظ براتبه بعد أن قبل بما تمنى عليه الرفيق أنور أن يقبل توصية الدكتور حريز المحددة بالصمت عن الموضوع !!!

صاروا في ذمة الله، ولكنه نموذج لكبار إداريي الدولة الذين يخافون من خيالهم والذين تسقط بين أقدامهم كل مفاهيم العدالة والقوانين.
عاود إبراهيم نشاطه بعد شفائه من شغلة البال، وهو الذي عانى ما عاناه في مهمة قيادة تلك الدورة التي تبقى أسرارها ملكاً لأعضائها من الرفاق الذين قادوا أقسى مراحل الحرب، فأحرزوا النصر بكفاءتهم وعرقهم ودمائهم.

فالرحمة للشهداء والتحية للأحياء.