الخلافات السياسية العراقية تتفاقم وسط مخاوف من انفلات الشارع

تجددت الاشتباكات في البصرة (جنوب العراق)، غداة مقتل ستة متظاهرين خلال مواجهات مع قوات الأمن، حيث تشهد المحافظة احتجاجات شعبية على النقص في الخدمات. فاحتشد الآلاف أمام مقر المحافظة وسط البصرة، في مواجهة قوات الأمن التي أطلقت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع. ورغم ذلك لم يتمكن جنود الشرطة المنتشرين على أطراف المبنى من وقف أفواج المتظاهرين الذين كانوا يردون برمي زجاجات حارقة وعصي.
ولم تفلح دعوة الأمم المتحدة صباحاً للهدوء، ولا إعلان السلطات المركزية في بغداد عن إجراءات لإنهاء الأزمة في هذه المنطقة النفطية، وإخماد احتقان اجتماعي اندلع قبل شهرين، حيث تشهد محافظة البصرة أزمة صحية مع تلوث المياه الذي أدى إلى إصابة أكثر من 20 ألف شخص تلقوا علاجاً في المستشفيات. وتسعى الحكومة العراقية إلى تطويق انفجار الأوضاع، بعد ليلة دموية شهدتها، قتل فيها خمسة متظاهرين وجرح عشرات، وأحرق خلالها مبنى الحكومة المحلّية. وكشفت مصادر حكومية، أن الحكومة في صدد اتخاذ إجراءات يتوقع أن تشمل إقالة قائد عمليات مدينة البصرة، والسماح بمنح مزيد من الصلاحيات للحكومة المحلية، فيما يشرف ممثل للمرجع الشيعي علي السيستاني على مشروع لتوفير المياه للبصرة بتمويل من النجف.

في السياق عينه، دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، مجلس النواب إلى عقد جلسة استثنائية من أجل التوصل إلى حل جذري للمشاكل الصحية، ونقص الخدمات في البصرة، وأعلن أن صبره “بدأ ينفد” إزاء استهداف قوات الأمن المتظاهرين، وطالب بإجراءات عاجلة للمحاسبة، وقال: “ندعو مجلس النواب الجديد للانعقاد فوراً وفي جلسة علنية استثنائية في موعد أقصاه الأحد المقبل”.

وطالب “كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الداخلية، والصحة والموارد المائية والإعمار والبلديات والكهرباء، ومحافظ البصرة حضور الجلسة لوضع حلول جذرية، آنية ومستقبلية، في البصرة”، وتابع متوعداً: “وإلا فعلى جميع من تقدم ذكرهم ترك مناصبهم فوراً وإن كانت ولايتهم منتهية”.

الأحداث المتسارعة في البصرة، تتزامن مع صراع سياسي متواصل في العراق وسط انقسام سياسي حاد على خلفية نتائج الانتخابات النيابية التي فازت فيها القوى المعارضة لإيران، وحيث يأخذ الصراع اليوم شكلاً جديداً حول “الكتلة النيابية الأكبر” المخولة تشكيل الحكومة الجديدة، فإن هذا الخلاف المتوقع حسمه في الجلسة النيابية المقبلة في 15 أيلول الجاري بعد فشل القوى السياسية حسم هذا الخلاف في الجلستين الماضيتين، قد يحتاج إلى قرار المحكمة الاتحادية، التي حسمت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 أيار الماضي، بعد فرز الأصوات يدوياً.

مصادر سياسية عراقية رأت في اتصال مع “الأنباء” أن “الأزمة السياسية التي تمر فيها البلاد اليوم مرتبطة بالصراع الإقليمي في المنطقة والمرتبط بدوره بالصراع الأميركي – الإيراني، وأن الأزمة الناشئة اليوم حول تسمية التكتل النيابي الأكبر لن تحل بعد، وقد لا تحل في جلسة البرلمان المؤجلة إلى 15 الشهر الجاري، فكتلتا “الإصلاح والإعمار” التي يقودها العبادي والصدر، و”البناء” التي يقودها نوري المالكي وهادي العامري، متمسكتان بأن كلاًّ منهما تمثِّل (الكتلة الأكبر)”.

وتؤكد المصادر التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، أن “الصراع الأميركي – الإيراني يلقي بظلاله على تشكيل الحكومة، ويعبر عن ذلك بالخلاف الواضح حول شخص رئيس الوزراء الذي تتم تسميته من خلال الكتلة الأكبر”، مشيراً إلى أن “الطرفين الأميركي والإيراني دخلا بالتفاصيل في اختيار الكتلة الأكبر سواء على صعيد الضغوط التي مورست ضد كتل وشخصيات وزعامات أو عبر تحديد ملامح المرشح لمنصب رئيس الوزراء المقبل”.
وأضاف أن الانقسام الداخلي في البيت الشيعي يعيق حسم خيار المرشح لرئاسة الوزراء، وحيث لا يوجد آلية داخلية واضحة، ما يعطي الإيرانيين فرصة التدخل في اختيار الرئيس وفق ما كان يجري في السابق، لكن الأمر اليوم مختلف تماماً لجهة أن التأثير الأميركي بات يتفوق على الضغط  والتأثير الإيراني داخل البيت الشيعي”.

وأوضح المصدر أن “الولايات المتحدة تصر على تولي الدكتور حيدر العبادي رئاسة الحكومة دون غيره، فإن الإيرانيين يطالبون بأن لا يأتي الرئيس معادياً لهم”.

وكشفت المصادر ان “حسم الرئيس حيدر العبادي موقفه من العقوبات الأميركية على إيران لصالح أميركا على حساب إيران، بالإضافة إلى إعفاء فالح الفياض من منصبه الأمني في الحشد الشعبي، أدى إلى تغيير في الموقف الإيراني ضده”. ولعل ما صدر عن العبادي أخيراً بشأن المفاوضات مع إيران حول نهر الأكارون بقوله “عدم رهن مصالح بلدنا إرضاء لإيران” كان بمثابة مؤشر على نهاية علاقته بها.

إلى ذلك دعا زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، المتحالف مع الصدر والعبادي، إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وقال في بيان صدر عن مكتبه إن الحكيم جدد “التأكيد على أنَّ خيارَ الأغلبية الوطنية يمثلُ حلاً واقعياً للكثيرِ من الإشكاليات التي رافقت العملية السياسية منذ تأسيسها في العراق، كما أنَّه مشروعٌ يشكلُ المعادلة القوية التي ستنتجُ حكومة قوية وحازمة وشجاعة”.

وتشير المصادر الى أن تسمية رئيس البرلمان العراقي هي من المسائل العالقة أيضاً، ولم تتمكن الكتل السنية من حسم اسم مرشحها، بحيث وصل عدد المرشحين إلى نحو 6 مرشحين، ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً. وكان رئيس السن تسلم 5 طلبات ترشيح إلى رئاسة البرلمان ضمت طلال الزوبعي عن ائتلاف الوطنية، ومحمد تميم عن تحالف القوى العراقية، ومحمد الحلبوسي عن المحور الوطني، وأحمد الجبوري عن تحالف تمدن، ورشيد العزاوي عن الحزب الإسلامي، قبل ان يعلن محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري أمس الأربعاء ترشحه إلى رئاسة مجلس النواب بدورته الرابعة.

وفي هذا السياق، أوضح القيادي في المشروع العربي ضمن المحور السني عمر الحميري أن “القيادات السنية تبحث عن آليه لاختيار رئيس البرلمان، مع أنه من حق أي نائب فاز بالانتخابات أن يرشح نفسه للرئاسة”. وأضاف أن “عملية ترشيح الشخصية التي يمكن أن تتولى هذا المنصب تتطلب آليات معينة أبرزها أن كل مرشح يملك ضمن المحور عشر نقاط تمكنه من المنافسة على رئاسة المجلس”، موضحاً أن “هناك حوارات أجريت مع كل الأطراف من الكتل الشيعية والكردية، أقرت بضرورة أن يكون للمكونات الأخرى رأي في أي مرشح لأي منصب سيادي”.

مصادر متابعة للشأن العراقي رأت أن التعقيدات التي تواجه حل الأزمة السياسية في العراق تتشابه بالشكل والمضمون مع العقبات التي تواجه أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، وهي عقبات إقليمية مرتبطة بالتحولات والتطورات المتسارعة في المنطقة لا سيما الضغوط الأميركية على إيران، والتي ستدخل حلقة جديدة في تشرين الأول المقبل حيث من المتوقع أن يرفع الرئيس الأميركي من سقف العقوبات الاقتصادية على طهران، لا سيما تصدير النفط الإيراني.

*فوزي ابو ذياب – “الأنباء”