مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

محمود الاحمدية

“مع أني أختلف معك في الرأي، فإني سأقاتل من أجل حقّك في أن تقول رأيك”.

جرّبنا كعرب الاستبداد وحكم الفرد والرقابة على الصحافة والمعتقلات وإعطاء القانون إجازة فلم نربح سوى الهزيمة ولم نكسب سوى التفرقة…
نحن في لبنان لا نستطيع العيش لحظة واحدة بدون حرية… الأفواه المكمّمة لا تستطيع أن تتفق، والألسنة المقطوعة لا يمكن أن تغني نشيداً وطنياً واحداً… والصحافة الحرّة ووسائل التواصل الاجتماعي الحرّة تعبر عن الشعب وآراء الشعب في عصر تكنولوجي متقدّم، أما الصحف والميديا المقيدة المخنوقة هي ألْسِنَةُ الحكام، والتاريخ القريب والبعيد يقولان، إنه منذ أن أصبحت هذه الوسائل الإعلامية بيد الحاكم أصبحت كل كلمة تنشر في جريدة عربية تحسب على الحاكم العربي الذي تصدر في بلده هذه الجريدة أو الميديا، وفي بعض الأحيان يكون الحاكم مظلوماً وتكون الجريدة ملكية أكثر من الملك… ولكن ما من حكومة عربية تتصور أن كلمة منشورة في أي جريدة عربية نُشرت بغير أن تكون بإملاء وبإيعاز أو بتحريض أو بتشجيع رئيس الدولة… وهكذا وفي ظل غياب حرية الإعلام أصبحت كل حكومة عربية متهمة عند الحكومة الأخرى بما قاله أو نشره محرر في صحيفة ما، مهما كان المحرر صغيراً… وهكذا أصبحنا نجد صحف القارئ الواحد أي صحيفة تصدر من أجل قارئ واحد هو الحاكم لا يهمها إلا أن ترضيه ولا تعبأ إلا بما يهمه وتحذف من الأخبار ما يضايقه وتشطب من التعليقات ما يغضبه…

في سنة 1948 كانت الأحكام العرفية معلنة في مصر وسوريا والأردن والعراق وضاعت نصف فلسطين، وفي سنة 1967 كانت الأحكام العرفية معلنة في أغلب الدول العربية فضاعت كل فلسطين…

وأنا وفي كل يوم ازداد إيماناً ويقيناً بأن الحرية تصنع انتصار الشعوب وبأن الديموقراطية تتفادى الأخطاء التي ارْتُكبت في ظل نظام حكم الفرد وبسيادة القانون نكون أقوى ألف مرة منّا بغير عدالة وبغير قانون.

ولم نستفد من تجارب التاريخ ودروس التاريخ… لقد كانت المانيا دكتاتورية وخسرت الحرب… كانت إيطاليا دكتاتورية وخسرت الحرب… وكانت اليابان دكتاتورية وخسرت الحرب… فماذا فعلت هذه الدكتاتوريات بعد الهزيمة، أول ما فعلته أنها دفنت الدكتاتورية تحت أنقاض هزيمتها واعتنقت الديموقراطية، وبالديموقراطية والحرية والعدالة عوّضت خسائرها وأصبحت اليابان وألمانيا من أغنى دول العالم وتبزان أميركا وبريطانيا اللتان هزمتهما قوة وعظمة وتقدماً…

ماذا كان سيحدث لهذه الدول لو أنها تمسكت بحكم الفرد وبالرأي الواحد وبالمعتقلات والسجون والمشانق؟؟ كانت ستبقى مهزومة محطمة مسحوقة ترفع الشعارات وتصدر الاحتجاجات وتطلق التصريحات والحكم في وادٍ والشعب في وادٍ آخر…

ويأتي اليوم في وطني في لبنان “وطن الرسالة” كما أسماه نيافة البابا، يأتي من يريد تكميم الأفواه وإعادتنا إلى ظلمات التعتيم والقهر وسياسة الرأي الواحد…

باختصار لا نستطيع أن نتنفس إلا بالحرية… هكذا وبالرغم من كل المصائب وفي كل الملفات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية التي تحدق بنا وتحرق أعصابنا كل لحظة، كلها في كفة وحرية الفرد وحرية الرأي في كفة ثانية…

كل إجراء يقام بحق رأي مغاير هو مشروع تدمير للأسس الحقيقية التي بُنِيَ عليها الوطن لبنان وإلا فلن يرحمنا التاريخ وسنصنع نهايتنا بأيدينا…

قليلاً من التروّي يا سادة… قليلاً من العقلانية يا سادة…

الشعب كفر بكل شيء… فأقلّها ارحموا حريته الأوكسيجين الوحيد الباقي له.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة

السفير المطرود ظلماً وقهراً