ما الأسباب التي دفعت جنبلاط الى إثارة قضية الحوض الرابع؟

مجد بو مجاهد (النهار)

“من المفيد التوضيح حول قضية الحوض الرابع بأن الإستفادة منه عندما كان مطروحا تطوير مرفأ بيروت أفضل بكثير من إثارة النعرات الضيقة الطائفية والمناطقية، وثبت ان أعمال التوسعة في المرحلة الأولى زادت من الحركة الإقتصادية وجعلت مرفأ بيروت يتقدم على غيره من المرافىء”.

إكتفى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بهذه التغريدة، مثيرا قضية الحوض الرابع في مرفأ بيروت التي ما لبثت ان تحولت الى إشكالية سياسية-طائفية. ويحصل ان الحزب التقدمي يتبنى ضرورة تطوير الحوض الرابع ودمجه بالحوض الخامس، ما يساهم في زيادة الحركة التجارية، خصوصا ان الحوض الخامس يستقبل كبريات السفن في العالم. وتؤكد شركة “خطيب وعلمي”نظرية مماثلة من ناحية علمية-إقتصادية، معتبرة ان عملية ردم الحوض الرابع هي بمثابة “الخيار الأمثل تقنيا وفنيا وعلميا”.

ويشدد التقدمي على الدور الذي يضطلع به المرفأ إقتصاديا، في ظل أهمية إحياء المرافق العامة لإعادة تحريك الدورة الإقتصادية، مع تراجع المؤشرات الإقتصادية وتخطي مستوى الدين العام للناتج المحلي 180%. ويسلط جنبلاط الضوء على هذه الملفات بعدما كان أول من تطرق الى معضلة الكهرباء، وتصرف إشارته الى موضوع المرفأ في الإتجاه نفسه. وأضحى مرفأ بيروت في السنوات الأخيرة، ودائما وفق التقدمي، من المرافىء الأساسية في الشرق الأوسط بعد توسعة الحوض الخامس في مطلع العقد الحالي. وساهمت التوسعة في زيادة قدرة المرفأ الإستيعابية والتي وصلت الى مليون و800 الف حاوية في سنة واحدة، علما انه لم يكن يستوعب أكثر من 200 الف حاوية سنويا قبل سنة 2010. وتؤشر معطيات مماثلة الى تعاظم نشاط مرفأ بيروت، بعدما إختارته أكثر من شركة ملاحة مقرها الأساسي وعمدت الى إطلاق أسطولها من العاصمة اللبنانية بإتجاه تركيا ودول شمال أفريقيا.

هذه المعطيات ينقلها الى “النهار”مسؤول الملف الإقتصادي في الحزب التقدمي المهندس محمد بصبوص، مشيرا الى ان “النمو في عدد الحاويات في المرفأ يتطور سنويا، وإرتفع بنسبة 23% في سنة واحدة، إذ بلغ عدد الحاويات أكثر من 97 ألف حاوية في حزيران 2016، وتطور الى أكثر من 119 ألف حاوية في حزيران 2017. ويرتفع الرقم سنويا، ما يجعل مرفأ بيروت مرفقا رئيسيا في لبنان الى جانب مرفأ طرابلس.”

وتبرز في مقابل نظرية التقدمي، وجهة نظر أخرى ذات أبعاد طائفية تتبناها أوساط إقتصادية، مشيرة في حديث الى “النهار” الى أن “الطائفة السنية تطمح الى تدعيم دور مرفأ طرابلس وإنمائه على حساب مرفأ بيروت، وتم نقل قسم كبير من المراقبين السنة في الجمارك الى طرابلس لهذه الغاية. ويقف المسيحيون ضد إقفال الحوض الرابع، ما يؤدي الى ضعف الإنماء بسبب عدم قدرة المرفأ عندها على إستقبال البواخر الكبيرة. وتفضل السفن أن ترسو في بيروت بدلا من طرابلس. كما تفضل الشاحنات تحميل البضاعة من بيروت ولا سيما منها الذاهبة بإتجاه الجنوب والبقاع أو المصنع”. وتعتبر الأوساط أنه “لا بد من التروي في عملية إقفال الحوض الرابع لأنها مسألة خطيرة لا يمكن قياس تداعياتها الإستراتيجية على الإقتصاد. وتعتمد الشركات عندها على المرافىء السورية والإسرائيلية، وتعدل في إستراتيجيتها، ما ينعكس خسائر كبيرة على لبنان المتميز بالترانزيت خصوصا، بحكم موقعه الجغرافي. ويؤدي ذلك الى قضم دور لبنان الإستراتيجي كنقطة وصل (ترانزيت) بين العالم والعالم العربي”.

وبخلاف ما تذكره الاوساط، يؤكد بصبوص ان معارضة تنفيذ المخطط التوجيهي لشركة “خطيب وعلمي” اتخذت بعدا سياسي، اذ انطلقت من خلفية مصلحية ضيقة، وغلفت بشماعة طائفية. وتبنى عدد قليل من المستفيدين من اصحاب الشركات والسفن معارضة مشروع تطوير المرفأ عبر ردم الحوض الرابع، بغية استيعاب عدد اكبر من السفن والحاويات، انطلاقا من مصلحة شخصية في عملية نقل البضائع الدوغما التي لن تختفي بشكل نهائي من المرف. وتسلح المستفيدون بالغطاء الطائفي وهجموا على عملية تطويره آملين في تحقيق نتيجة”.

ويشدد في هذا الاطار على “ضرورة تطوير المرفأ انطلاقا من منظار اقتصادي وبعيدا من الخلفيات المذهبية الضيقة”، متخوفاً من عملية “فرز الاحواض طائفيا”. ويؤكد ان تطوير الحوض الرابع “يحتاج الى مهلة زمنية قصيرة، ذلك ان العمل على توسعة الحوض الخامس استغرق بضعة اشهر فقط”. ويلفت الى ان “وقف العمل في الحوض الرابع خلال فترة تطويره لن يؤدي الى توقف العمل في مرفأ بيروت”.

ويخلص بصبوص الى القول ان “ما يشاع عن عدم امكان استيعاب مرفأ بيروت السفن الكبيرة بعد تحويله امتدادا للحوض الخامس، ناتج من الجهل العلمي او التضليل الإعلامي، ذلك ان اكبر البواخر عالميا ترسو في الحوض الخامس. وتعتبر سفن “البناماكس” من اصدق الامثلة، اذ باتت ترسو في الحوض الخامس بعد تطويره، وهي اكبر السفن في العالم. ولا يغيب عن المشهد ان تطوير الحوض الرابع ودمجه يزيد عمقه عن 16 مترا”.