روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

بين 19 مايو/ أيار، و19 أغسطس/ آب 2018؛ عاشت العلاقات الروسية – الألمانية ثلاثة أشهر من السياسية الدافئة. في التاريخ الأول زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مدينة سوتشي الروسية، والتقت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما في التاريخ الثاني فقد زار الرئيس الروسي العاصمة الألمانية برلين، والتقى المستشارة الألمانية في قلعة ميرينبرج القريبة من المدينة.

في سوتشي قالت ميركل «لدينا مصالح استراتيجية كبيرة مع روسيا، برغم بعض التباين، ولا بد لنا من التعاون لعدم السماح بمصادرة أملاك اللاجئين السوريين في بلادهم، لأن ذلك يؤدي إلى إعاقة عودتهم إلى سوريا». وكان واضحاً أن ميركل دفعت باتجاه إطلاق حركية روسية لافتة منذ ذلك التاريخ، هدفت إلى تشجيع عودة مئات الآف النازحين السوريين إلى بلادهم، خصوصاً من الأردن ولبنان وتركيا. وفي ما يشبه الرد؛ دعا الرئيس بوتين في برلين الأوروبيين إلى المشاركة مالياً في إعادة إعمار سوريا، أو إعمار منازل ملايين السوريين المُهدمة ليتمكنوا من العودة إلى بلادهم، لأن البُعد الإنساني له تأثيرات واسعة في عملية العودة. وفي هذين التصريحين وضوح كاف لصورة المطالب المتبادلة بين الطرفين الروسي والألماني، كما تتوضح فيهما ملامح التعاون الموعود – أو الذي بدأ بالفعل – بين الأوروبيين وروسيا حول سوريا.

وفي أبعاد المصالح الاستراتيجية بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ملفات أُخرى وازنة، منها ملف النزاع في أوكرانيا، حيث يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب ضمّها لجزيرة القرم إلى أراضيها في العام 2014. وما يتفرّع عن مشكلة أُوكرانيا من قضايا، خصوصاً موضوع «خط السيل الشمالي الثاني»، الذي تنفذه روسيا تحت بحر البلطيق لكي يغذي ألمانيا وبعض أوروبا الشمالية بالغاز الروسي، بديلاً عن الأنابيب التي تمر من روسيا عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا، وهذا الموضوع الذي قد يُرضي الألمان؛ يغضب الولايات المتحدة، لأنه يحرر صادرات الغاز الروسي من الممرات الوعرة، والتي قد تحتاج فيها إلى إرضاء حلفاء واشنطن، لاسيما في أوكرانيا، وفي جورجيا وأذربيجان في الجنوب الغربي لروسيا. ويحاول الرئيس الروسي بوتين والمستشارة الألمانية ميركل عدم تسييس موضوع «خط السيل»، واعتباره ملفاً تجارياً اقتصادياً خالصاً، ليس موجهاً ضد الولايات المتحدة ، ولا يهدف إلى عزل الحكومة الأوكرانية المؤيدة للغرب. وقد اكد الناطق الصحفي باسم الرئيس بوتين، ديمتري بيسكوف، في برلين على هذا التشخيص أمام الصحفيين المحتشدين لتغطية أخبار القمة الروسية – الألمانية.

في ذاكرة الروس والألمان سجل حافل من الحروب، ومن التفاهم أحياناً. فقد تعاون القياصرة الروس مع الإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى. وبعض المؤرخين يعتبرون أن انسحاب روسيا من الحرب عند اندلاع الثورة البلشيفية في موسكو عام 1917؛ كان السبب الرئيسي في هزيمة ألمانيا أمام جيوش الحلفاء.

وعبر التاريخ كان الروس يخافون من الألمان أكثر من غيرهم من القوى الأوروبية الكبرى، لأن هتلر كاد أن يحتل المدن الروسية الكبرى كلها في الحرب العالمية الثانية، والألمان بالمقابل لم ينسوا: إن روسيا كانت سبب هزيمة المشروع الألماني للسيطرة على أوروبا في الحرب العالمية الثانية، انطلاقاً من هزيمتهم في مدينة ستالينجراد الروسية، وإن اختلفت المعايير «الجيوبوليتيكية والسوسيوبوليتيكية « بين الأمس واليوم، بمعنى – إن لا بوتين يشبه ستالين، ولا ميركل تشبه هتلر- لكن عوامل الصداقة الاستراتيجية بين البلدين الكبيرين ما زالت قائمة، كما أن عوامل الخِصام ما زالت مفتوحة .

وتصميم الرئيس بوتين على رد الزيارة للمستشارة ميركل في هذا الوقت بالذات؛ ينمّ عن تفاهم أكثر مما يعبر عن الخلاف. وواضح أن الرئيس الروسي يحاول استخدام مجموعة من الملفات الدولية بهدف إعادة استنهاض الاقتصاد الروسي، ومن هذه الملفات: المقايضة على ورقة عودة النازحين السوريين المهمة بالنسبة لأوروبا، مقابل مشاركة مالية أوروبية في إعادة إعمار سوريا، وروسيا بطبيعة الحال ستستفيد من هذا الملف، لكونها تمسك بأغلبية خيوط اللعبة في سوريا.

وكان واضحاً الاسترخاء الروسي في رحلة ترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وقد انطلق بوتين إلى برلين من النمسا، حيث حضر حفل زفاف وزيرة الخارجية كارين كنايل، وراقص أغلبية المدعوين من الزعماء الأوروبيين هناك.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية

قراءة هادئة في نتائج الاستفتاء البريطاني