هل يحتاج الجبل الى مصالحة ثانية بين “التقدّمي” و”التيّار الوطني”؟

مجد بو مجاهد (النهار)

متفاجئاً بدا عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب أنيس نصّار بتغريدة زميله عضو تكتل “لبنان القوي” النائب زياد أسود، التي أعاد فيها استحضار ماضي معركة سوق الغرب مع حلول الثالث عشر من آب الجاري. ويسأل نصّار عبر “النهار” عن علاقة أسود بمعركة سوق الغرب تحديداً، مولّفاً تساؤله في قالب ساخر: “هل كان أسود يحارب هناك يا ترى؟”. ولا تأتي مقاربة باني جامعة البلمند في الجبل، من منطلق مراقب أو محلّل، بل بمثابة نائب البلدة التي يقطنها صيفاً بعيداً من زحمة المدينة وقيظها، لا بل من منطلق أنه صاحب ذاك البيت الذي شكّل خطّ تماس أيام الحرب. ولا يتردّد نصّار الذي خطفت الحرب شقيقه وذوّبت شمعة عمر أمّه حزناً ولفظته مهاجراً عصامياً، في القول، عندما يعصف به الماضي: “أنا أتكلّم اليكم من خطّ النار”. المعني الأول في ذكريات سوق الغرب ونائبها، لا يحبّذ فتح جرّار الحرب وفلفشة أوراقها، ولكنه يستغرب، إذا ما أراد الإجابة، سبب ربط المعركة بـ”التيار الوطني الحرّ”، مؤكّداً أن من حارب آنذاك هي “القوات” والأحرار والكتائب الى جانب الجيش اللبناني.

وفي موقف منه مفاده أن استحضار المعارك لا يفيد، وأن ما حصل لا يعدو كونه خطأ تاريخياً ارتكبه الجميع في الجبل، يخلص نصار الى القول إن “الذين تقاتلوا في الأمس تصالحوا اليوم بعدما تحاربوا بشجاعة وتصافحوا بشجاعة. وتالياً لا يحتاج الجبل الى مصالحة رقم 2، ذلك أن مصالحات عدّة عُقدت لكنها لم تُحترم بطريقة أو بأخرى، بل تمثّل الاتفاق الوحيد الذي احتُرم بمصالحة الجبل. والأهم أن الذين وقّعوا أوراق المصالحة يحترمون توقيعهم بخلاف البعض الآخر”. ويقرأ مواقف بعض نواب “التيار الوطني” على انها “ولدنات ومحاولات استثمار اعلامي لغاية في نفس باسيل، الذي يسعى الى تحجيم التقدمي والقوات حكومياً بعدما فشلت مساعيه انتخابياً، لكن الفشل مصير محاولات مماثلة في ظلّ الحيثية الشعبية التي يمتلكها أرباب المصالحة في الجبل”.

وينسحب استغراب نصّار من تصرفات مسؤولي “التيار الوطني” على الحزب التقدمي الذي يسجّل استغرابه لما يسمّيه “إصرار العونيين على العيش في الماضي، وهو غالباً ما يترفع عن الرد. ولو أراد التقدمي استحضار منعطفات من حقبة الحرب الأهلية لأمكنه تقديم عشرات الأمثلة التي تؤكد خلاصات مغايرة للّوحة البطولية التي يصر العونيون على رسمها”. وتأتي المرحلة الأخيرة من رفع سقف المواجهة السياسية بين “التيار الوطني” والتقدمي قبيل ابتعاد النواب البرتقاليين عن التصاريح الإعلامية. وتظهر في ما هو أبعد من استحضار معركة سوق الغرب، والخطاب المتوتر الذي أضحى معتاداً بين البرتقالي والتقدمي، مؤشرات سلبية مقلقة يعكسها خطاب مناصري الطرفين عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والذي تحوّل الى أنباء تحدّثت عن مظاهر تسلّح وتسلّح مضاد في الجبل. وفي السياق، يؤكّد مصدر نيابي في “اللقاء الديموقراطي” لـ”النهار” أن “ما يروّج عن تسلّح درزي غير دقيق، ذلك أن خيار الحزب التقدمي كان ولا يزال وسيبقى متمثلاً في الدولة التي تحمي أبناءها. وما حصل هو أن بعض المناطق شهد ردود فعل غير مضبوطة على أثر أحداث السويداء، ولكنها لا تستدعي التوقف عندها”.

وكيف يمكن توصيف علاقة العونيين والجنبلاطيين في المرحلة الراهنة؟ الإجابة تأتي على لسان مفوض الإعلام في الحزب التقدمي رامي الريّس الذي يقول لـ”النهار” إن “التواصل متقطع بحسب الواقع والظروف السياسية، لكنه لا يؤدي الى نتيجة. ويترفع التقدمي عن التساجل مع البرتقاليين على غرار أنه يتطلع الى المستقبل في ظل خطاب تصالحي انتهجه بعد عقده المصالحة وتحالفه مع قوى سياسية متنوعة في الجبل في الدورات الانتخابية المتلاحقة، وهو سار في انتخاب عون رئيساً انطلاقا من ايمانه بضرورة طي صفحات الماضي”.

ويعتبر أن “أدبيات التيار الوطني ترتكز على الشعبوية في القضايا الوطنية المختلفة، إذ إنه أفسد الكثير من المفاهيم السياسية عندما عطّل انتخابات رئاسة الجمهورية في 43 جلسة متتالية تحت شعار انتخاب الأقوياء في طوائفهم، ما شوّه العمل السياسي في لبنان. ويحرص التقدمي على تطويق أي منزلقات مصراً على الردّ في المضمون السياسي، ومذكّرا بأن أهالي الجبل (مسيحيين ودروزاً) أضحوا محصنين حيال تحركات التيار المتكررة والهادفة الى تخريب العلاقات الاجتماعية في الجبل. وينطلق العونيون من قناعة خاطئة مفادها أن جنبلاط يستحوذ أكثر من حجمه السياسي ويظنون أنهم من خلال أداء مماثل يستطيعون تحجيمه، متناسين ان قانون الانتخاب رُكِّب جزء منه لتطويق جننبلاط لكنه أتى بنتائج عكسية لما توقّعوه، ولم يلبثوا أن انتقلوا الى محاولات التطويق الوزاري بعد فشل محاولات التطويق النيابي من خلال افتعال عقدة درزية هدفها الالتفاف على نتائج الانتخابات”.

وفي الخلاصة، هل يحتاج الجبل الى مصالحة (2) بين التقدّمي و”التيار الوطني”؟ “المصصالحة حصلت مع كبير من لبنان هو البطريرك مار نصرالله بطرس صفير”، يجيب الريس، مؤكّداً “تمسك الحزب بها من دون الحاجة الى عقد مصالحات جديدة. فليعد التيار الى خطابات رئيسه في المختارة التي أكد فيها الالتزام بالمصالحة، وليقلعوا عن خطابات الاستفزاز، وعندها تسلك الأمور مسارها الطبيعي ويعيش الناس بمحبة وألفة”.