زراعة الحشيش: كي لا نقع في المحظور!

علاء لؤي حسن

أنباء الشباب

منذ فترة ليست ببعيدة، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن المجلس بصدد التحضير لإقرار القوانين المتعلقة بزراعة الحشيشة وبالتالي وضع الأمر على سكة العمل الرسمي. قد يكون من المستغرب أن يصبح لبنان بلداً يشرع زراعة الحشيشة تحت سقف القانون وبحماية أمنية، لا سيما أن هذا الأمر معاقب عليه قانوناً. فهل يقدم فعلاً لبنان على زراعتها وبالتالي الإلغاء الضمني للقوانين التي تعاقب الى زراعتها أو الاتجار بها؟

لمحة تاريخية

عرفت الشعوب القديمة زراعة الحشيشة أو القنب واستخدمتها في أغراض متعددة، فصنعت من أليافه الحبال وأنواعا من الأقمشة، واستعمل كذلك في أغراض دينية وترويحية. ومن أوائل الشعوب التي عرفتها واستخدمتها الصينيون القدماء، فقد عرفه الإمبراطور شن ننج عام 2737 ق.م وأطلق عليه حينها واهب السعادة، أما الهندوس فقد سموها مخفف الأحزان.

وفي القرن السابع قبل الميلاد استعمله الآشوريون في حفلاتهم الدينية وسموه نبتة “كونوبو”، واشتق العالم النباتي ليناوس سنة 1753م من هذه التسمية كلمة “كنابيس”.

وكان الكهنة الهنود يعتبرون الكنابيس (القنب – الحشيش) من أصل إلهي لما له من تأثير كبير واستخدموه في طقوسهم وحفلاتهم الدينية، وورد ذكره في أساطيرهم القديمة ووصفوه بأنه أحب شراب إلى الإله “أندرا”، ولايزال يستخدم هذا النبات في معابد الهندوس والسيخ في الهند ونيبال ومعابد أتباع شيتا في الأعياد المقدسة حتى الآن. أما العالم الإسلامي الحشيش في القرن الحادي عشر الميلادي، حيث استعمله قائد القرامطة في آسيا الوسطى حسن بن صباح، وكان يقدمه مكافأة لأفراد مجموعته البارزين، وقد عرف منذ ذلك الوقت باسم الحشيش.

أما أوروبا، فعرفت الحشيش في القرن السابع عشر عن طريق حركة الاستشراق التي ركزت في كتاباتها على الهند وفارس والعالم العربي، ونقل نابليون بونابرت وجنوده بعد فشل حملتهم على مصر في القرن التاسع عشر هذه الزراعة إلى أوروبا والتي مازالت تزرع حتى يومنا هذا في القارة العجوز.

وكانت معرفة الولايات المتحدة الأميركية به في بدايات القرن العشرين، حيث نقله إليها العمال المكسيكيون الذين وفدوا إلى العمل داخل الولايات المتحدة.

الفوائد العلمية

وبحسب الدراسات العلمية، فإن للحشيش العديد من الفوائد كمساهمته في تخفيف مرض التهاب المفاصل، كما أنه مضاد للخثيان والقئ. أضف الى ذلك أنه يحتوي على مادة الدكسابينول والتي تساهم في معالجة ارتجاج الدماغ وخاصة نقص الأوكسجين، بالإضافة الى مادة “تي إتش سي” التي تستخدم في توسيع القصبة الهوائية للأشخاص الذين يعانون من ضيق تنفس، كما أنه يعالج تشنجات العضلات ويزيد من كثافة الشعر من خلال الزيت المستخرج من نبات القنب. وهذا الزيت يعالج أيضاً تساقط الشعر والصلع والقشرة. وحديثاً يتم زراعة الحشيش في المناطق المجاورة للمفاعلات النووية حيث اكتشف أنه يمتص الأشعة النووية بنسبة تصل الى 80%.

الضبط  وإلا الفوضى

على الرغم من هذه الفوائد المتعددة للحشيشة، إلا أنه لا بد أن يتم ضبط زراعتها كي لا تخرج عن الإطار المحدد لها وتصبح آفة إجتماعية. لذلك يجب أن يصار الى  قوننة زراعة الحشيش من حيث المكان ومن حيث المساحات المسموح بها لكل مزارع وبحيث لا تكون هذه الزراعة على حساب زراعة محاصل ضرورية أخرى وبالتالي الوصول إلى المحظور من حيث المساس بالإكتفاء الغذائي، وايضاً زيادة العرض من الحشيش بما يقلل من أسعاره وتضيع الغاية من زراعته كمورد ثمين للمزارع! وعليه لا بد من وضع شروط صارمة لضبط هذه الزراعة بالمكان والكمية، الأمر الذي يحتاج إلى تشريعات خاصة، وهنا لا مكان للإرتجال كي لا نقع في المحظور.

أمران يجب أخذهما بعين الإعتبار: الأول، هو في تأمين جهاز رقابة قوي يقوم بإجراء التفتيش الدوري لضبط الكميات المزروعة؛ والثاني، إعادة النظر بقانون المخدرات وتحديداً المادتين 12 و 16، وأجراء التعديلات اللازمة بما يسمح بتصريف المنتج على معامل الأدوية والمستحضرات الطبية، أو ضبط تصديره للخارج تحت رقابة مشتركة وطنية ودولية وبما لا يسيء لسمعة لبنان!

لكن تبقى النقطة الأساس هي في ايجاد الشروط الكفيلة بتحقيق كل ما سبق وإلا فالفوضى! لتصبح زراعة الحشيش تحت جناح الفساد المستشري في لبنان وبرسم مافيات ستجد من يحميها من السياسين، وعندها سيصبح الأمر خارج السيطرة، ونكون قد خسرنا الغاية الإقتصادية من زراعة هذه النبتة، بل تحويل الفائض منها للداخل وفي الترويج لها.. زراعة الحشيش تحتاج لمناخات سياسية نظيفة، أما الان فهي مغامرة، وأثمانها اكثر من مردودها.

(أنباء الشباب، الأنباء)