رحيل سمير أمين آخر الاقتصاديين العرب الموسوعيين والمنتمين

د. محمد شيّا

رحل المفكر المصري الماركسي سمير أمين، عن عمر ناهز 87 عاماً، في داكار- السنغال، حيث كان ترأس لفترة من الزمن معهد الأمم المتحدة للتنمية فيها.

ولد سمير أمين في بور سعيد سنة 1931، لأب مصرية وأم فرنسية، كان كلاهما طبيبين. أنجز سمير أمين دراسته للعلوم السياسية ثم الاقتصادية في السوربون، حيث غدا ماركسياً، فانتمى لبعض الوقت للحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن يغادره، بل ويغادر الفكر الشيوعي الكلاسيكي برمته، رغم أنه ظل وحسب توصيفه شخصياً لموقعه: ماركسياً مستقلاً.

تميز فكر سمير أمين بنقده البنيوي الشديد الذي لم يفارقه للرأسمالية، في أشكالها كافة، حتى في مزاعمها الليبرالية، وفي تحميلها المسؤولية، وبخاصة في مرحلة النهب الكولونيالي، عن كل التخلف والتأخر والتردي الاقتصادي والاجتماعي اللذين أصابا بلدان العالم الثالث، واتسّع أكثر في مرحلة الهيمنة الامبريالية، ثم في مرحلة العولمة الراهنة، حيث الولايات المتحدة هي التجسيد التام للرأسمالية المتوحشة الأخيرة، وفي تحولها الجامح نحو العسكرة – كخيار حتمي للرأسمالية في مرحلتها الامبريالية.

لكن نقد سمير أمين للرأسمالية ذاك لم يحجب، بالنسبة له، حقيقة أن الفكر الماركسي التقليدي، وبخاصة في نسخته الشيوعية (السوفياتية) الرسمية، كان قاصراً عن تقديم التحليل الصحيح لأزمة التطور في العالم الثالث والبلدان الطرفية خارج المركز الغربي وتبعيتها له. فأخفق لذلك في تلبية الحاجات النظرية والعملية التي كان يحتاجها التطور السياسي والاقتصادي للعالم الثالث، والمتصلة خصوصاً بتحديات التأخر والتبعية والطرفية الهوية والتنمية اللامتكافئة.

واستناداً إلى مقدمتيه، التوحش الرأسمالي، وعجز الفكر الشيوعي التقليدي، طوّر سمير أمين لاحقاً وفي أكثر من عمل له نظريته الخاصة حول “التطور اللامتكافئ”، بين بلدان المركز والبلدان الطرفية، وفيها نقد واضح للأطروحة الماركسية التقليدية أن بإمكان بلدان العالم الثالث والبلدان الطرفية المتأخرة تجاوز تخلفها واللحاق بتقدم المركز بمجرد الأخذ الآلي بالخيار الاشتراكي السياسي. ولا يقل عنها أيضاً نقده للأطروحة الليبرالية في أن الثورة التكنولوجية ممكنة في العالم الثالث من دون تغيير سياسي وأنها الطريق للحاق ببلدان المركز المتقدمة. كذلك يقدّم عمله المميّز “نحو نظرية للثقافة”، قراءته لصراع الأطراف مع المركز الغربي لانتزاع استقلاليتها وهويتها الثقافية، ومقدار التزييف والاستبعاد اللذين يمارسهما المركز الغربي على المستوى الثقافي.

استمر سمير أمين، وإلى آخر يوم من عمره، في نقده الشديد ل”الإمبريالية الأمريكية” التي أزدادت مع العولمة الراهنة قوة وهيمنة واستئثاراً عمّا قبل، حتى في وجه الحلفاء الأوروبيين. ويفضح أمين زيف التفوق الأمريكي الشامل، فيقول إن التفوق الأمريكي إنما هو في المجال المالي، لا الصناعي ولا الزراعي. فالنظام المالي الأمريكي “يمتص الجزء الأكبر من فائض الأموال في العالم”، وهي سبب سيطرته على أسواق المال الفرعية، وعلى السياسات الوطنية للبلدان الأخرى.

أما أفكار سمير أمين السياسية، ويخاصة ما اتصل منها بالعالم العربي، فنقتطع بعضها من مقابلة له مع جريدة قاهرية، وكان في الخامسة والسبعين من عمره، أي في مرحلة الاستقرار الأخير لأفكاره، فنجملها في هذه العجالة كما يلي.

يقول أمين “إن غياب الديمقراطية هي العيب الأساسي القاتل في التجربة الناصرية وقد حال دون بناء الاشتراكية، وهذا أيضاً ما حدث في الاتحاد السوفيياتي.”

ويقول: “أرفض الخطاب الفكري السائد الذي يتصور أن الثورة التكنولوجية ستؤدي إلى إنهاء الطابع الاستعماري للرأسمالية”.

وأيضاً، “عسكرة العولمة خيار استراتيجي أمريكي يسعى إلى تعويض التدهور في قدرتها على الاستمرار في المنافسة بالوسائل الاقتصادية.”

وحول الإسلام السياسي، لا يخفي سمير أمين نقدة الشديد لتيارات الإسلامي السياسي الحديثة، ومنها “الإخوان المسلمون”. فالتيارات تلك، وإلى كراهيتها العميقة، برأيه، للديمقراطية، على “صلة مباشرة بالرأسمالية العالمية”، وعليه فهي لا تملك الخيارات الحقيقية التي تحتاجها الشعوب العربية، وبخاصة لخلطها الواضح  “بين الدولة والدين”.

هذه هي بعض أفكار سمير أمين نستذكرها كعناوين غداة وفاته في 14 آب 2018 في دكار\السنغال.

أعمال سمير أمين وفيرة وكثيرة، وربما بلغت في أشكالها المختلفة ما يزيد عن المئتين والخمسين عنواناً – بين كتاب وبحث ودراسة.

بين أهم أعماله تلك، والمتصلة خصوصاً بفكره الاقتصادي والسياسي، نذكر، وبالتدرج الزمني:

“التراكم على الصعيد العالمي

التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة

التطور اللامتكافئ

الأمة العربية، “القومية وصراع الطبقات”

الطبقة والأمة في التاريخ، وفي المرحلة الإمبريالية

قانون القيمة والمادية التاريخية

الاقتصاد العربي المعاصر

أزمة الإمبريالية

أزمة المجتمع العربي

ما بعد الرأسمالية

نحو نظرية للثقافة

حوار الدولة والدين (مع برهان غليون)

في نقد الخطاب العربي المعاصر”

أما في أهم المراكز التي شغلها سمير أمين، إضافة للأستاذية في السوربون وجامعات أخرى، فمنها:

عضو مركز البحوث العربية والإفريقية في القاهرة

مدير معهد الأمم المتحدة للتنمية في داكار\السنغال

أحد مؤسسي “المنتدى الاجتماعي العالمي”، كبديل ونقيض للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس\سويسرا.

وشخصياً، أسعدني الحظ أن استضيفه محاضراً في معهد العلوم الاجتماعية في بيروت، وأن التقيه مرات عدة في باريس، وطرابلس الغرب، والقاهرة.

سمير أمين، المفكر الاقتصادي المصري العالمي، شخصية أكاديمية موسوعية منتمية وملتزمة قضايا الأكثرية الساحقة للناس، عمل على ترقية وعيها كي تمسك بزمام أقدارها بكل الوسائل الفكرية والنظرية والعملية، وظل كذلك حتى آخر سني حياته.

(الأنباء)