«الحروب الترامبية» إلى أين؟

أسعد حيدر (المستقبل)

الحرب الاقتصادية الجديدة التي شنّها الرئيس دونالد ترامب ضد تركيا، الحليفة التاريخية للولايات المتحدة الأميركية، والعضو في الحلف الأطلسي، أكدت من جديد، أنّ ترامب لا يملك استراتيجية سياسية، وأنها إدارة تخبّط، ولا يوجد فيها أي تخطيط. باختصار أنها سياسة غير مفهومة لأحد، فيها الكثير من الشعور بتضخّم القوّة عند ترامب إلى درجة أن على الجميع الانصياع لنزواته.

في واشنطن يتندّر المثقفون وحتى السياسيون، تعبيراً عن «القلق الذي يساورهم». إنهم يخشون أن يستيقظوا يوماً، وقد أعلن ترامب الحرب الاقتصادية على ولاية كاليفورنيا، كأن يفرض على إنتاجها الزراعي الغني رسوماً مرتفعة، فيقضي بذلك على اقتصاد هذه الولاية الواسعة والغنية، من دون أن يعني له ذلك شيئاً على الآثار المُترتبة لقراره على البلاد واقتصادها. ويؤكّد كل ذلك ما أصبح متداولاً في واشنطن: «إنّ ترامب لا يعرف ماذا يريد ترامب».

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قالها عالياً إنها مؤامرة أميركية بعد أن خسرت الليرة التركية 40 بالمئة من قيمتها منذ أول العام، وبعد أن تحوّل هبوط سعرها بالنسبة للدولار إلى كارثة خلال الأسبوع الماضي، فقد خسرت دفعة واحدة حوالى 16 بالمئة. بالفعل لا يُفهم كما قال أردوغان «كيف يكون عضواً مع أميركا في الحلف الأطلسي ومن جهة أخرى يطعنون شريكهم الاستراتيجي في ظهره»؟

في الواقع لا يبدو السبب الظاهر للطعن الترامبي في الظهر التركي مقنعاً. السبب الظاهر أن تركيا رفضت إخلاء سبيل القس الأميركي أندرو برانسون، المسجون منذ عامين بتهمة التعاون مع الأكراد ومع فتح الله غولن المُتهم بقيادة محاولة الانقلاب. أنقرة تُطالب واشنطن منذ الكشف عن المؤامرة واعتقال مئات الضباط، بتسليمها غولن، وواشنطن ترفض. العقوبات الأميركية على وزيري العدل والداخلية أضافت إلى «الكأس» الفائض بالتوتر الكثير. ومما سرّع المواجهة أنّ واشنطن أنذرت أنقرة بالإفراج عن القس فوراً وإلاّ العقوبات.

في الواقع إن كل ذلك لا يُشكل أكثر من قمة «جبل الجليد» ذلك أن «العلاقات المسمومة» تراكمت ورفعت منسوب التوتر بين واشنطن وأنقرة. إذ لا يُعقل أن يكون عدم إطلاق سراح القس برانسون الذي يعيش في أزمير منذ عشرين سنة رغم أن كنيسته لا تضم أكثر من 25 مؤمناً، السبب لشنّ هذه الحرب. لذلك لا شك أن «العلاقات المسمومة» متعددة الأسباب ومنها:

* أن الرئيس ترامب دعم الميليشيا الكردية في سوريا إلى درجة أنها أصبحت «المرساة» العسكرية الرئيسية لوجود أميركا في سوريا.

* أن واشنطن رفضت إدانة غولن وتسليمه رغم الطلبات التركية المتكررة.

* أن أنقرة أعلنت وهي العضو في الحلف الأطلسي أنها تنوي شراء صواريخ س-400 مما يعني حصول تداخل غير مقبول بين حلفي الأطلسي ووارسو في قسم حساس من الأسلحة المتفوّقة.

* أن واشنطن فرضت رسوماً مرتفعة على الألمنيوم والحديد مما يُشكل «طعنة» قاسية للاقتصاد التركي.

ويبدو أن المواجهة الأميركية – الإيرانية والعقوبات المقررة على إيران، أتخمت الأجواء التركية – الأميركية فرفعت نسبة التوتر بسرعة وقوّة. فقد أدانت السلطات الأميركية محمد هاكان أتيلا نائب المدير العام لمصرف «هالك بنك» التركي بتهمة مساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات الأميركية. واشنطن تعرف جيداً أن إيران التفّت في عهد أوباما على العقوبات عبر شراء الذهب وغيره من تركيا، وبطبيعة الحال لا يريد ترامب أن تتكرر العملية خصوصاً أنه جرى الكشف أن إيران اشترت قبل تنفيذ العقوبات مليارات عدة من الليرة التركية وخزّنتها، ولا شك أن انهيار الليرة التركية بهذه السرعة وبهذه الحدّة (-16% خلال أسبوع) يُشكّل ضربة مزدوجة موجهة إلى إيران وتركيا في وقت واحد.

ما يقوم به الرئيس ترامب من حروب اقتصادية بعضها عشوائي في الشرق الأوسط، يخدم حكماً وبرأي الكثيرين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسياسته. حالياً معظم الدول في المنطقة تطلب مساعدة موسكو بدلاً من واشنطن. أفضل مثال على ذلك حالياً طلب الليبيين مساعدة موسكو لهم.

الأميركيون يتململون ولكن لن يُعرف حجم هذا التململ وإلى أي درجة يمكن أن يغيّر دفّة «السفينة الأميركية» حتى الانتخابات النصفية القادمة.

أيضاً، مقاطعة تركيا وضرب الليرة فيها وإصابة اقتصادها «بطعنة» قاسية بدلاً من الوقوف معها وهي الحليفة التي شكّلت «الستار الحديدي» أمام التمدّد السوفياتي في عزّ الحرب الباردة خطير جداً. ترامب يبدو كأنه يعمل لإلغاء حتى ثنائية القوى في الشرق الأوسط، ولجعل إسرائيل القوة الضاربة الأحادية في المنطقة الشرق الأوسط. ذلك أن انشغال إيران بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، (حتى ولو كان ذلك بسبب أخطاء سياستها التي أحدثت شرخاً مع العرب وجعلت المرشد آية الله خامنئي يقول: «لا حرب ولا صلح مع واشنطن») في وقت يجري فيه خنق الاقتصاد الإيراني بقوة وبقسوة تدريجية.

الشرق الأوسط كان متجهاً مع تركيا وإيران ولاحقاً مصر والسعودية نحو تعدّدية متكاملة ومتوازنة مع إسرائيل. أما إذا استمرت عملية خنق تركيا لأسباب مختلفة جداً عن السياسة الإيرانية العدائية، فإنّ إسرائيل ستصبح هي التي تقرّر وتنفّذ بالتعاون مع واشنطن وموسكو.

هل هذا ما يريد الرئيس ترامب تحقيقه فعلاً؟. أم أن هذه النتيجة «هي رمية من غير رامٍ»!.