الرئيس القوي

د. قصي الحسين

كنت أريد أن أكتب عن “الرئيس القوي” فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون، حتّى قرأت ما كتبه غسان شربل رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، فأحجمت.

“ميشال عون لا مشكلة لديه في الاتجاه الذي تأخذه الأحداث حالياً. التطورات قد تضعف منطق خصومه وحلفائه معاً. ومن يدري. فقد يكتشف الجميع أن خيمة الدولة اللبنانية، على رغم الثقوب الكثيرة فيها تبقى أكثر رحمة من الخيام الأخرى. اتجاه الأحداث قد يرغم القوى اللبنانية على التحلي بقدر من التواضع بعد تضخم الأدوار في الأعوام الماضية”. (كيف شاهدوا القمة؟ 18/7/2018)

ومع أنني إرعويت عن التخويض في هذا العنوان البلدي “الرئيس القوي” غير أن ما أحفزني للتحول عنه سهولة الحديث عن الرئيس القوي الأميركي، وقد قرأت تحته للتو، ما كتبه الرئيس الأميركي المغادر باراك أوباما، عن سياسة الرئيس الأميركي القوي، والمعني بسهامه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، قبل قمة هلسنكي وبعدها. إذ أوردت “الشرق الأوسط” نفسها وفي العدد نفسه (ص 11) عن أجواء “جوهانسبرغ” الّتي وصلها الرئيس أوباما مشاركاً في الاحتفالات بالذكرى المئوية لمولد أول رئيس إفريقي  أسمر لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا في ملعب “واندرز” الرياضي بحضور نحو 15 الف شخص، مما أحفز الجريدة على أن تعنون للحدث وللرئيس: “شارك في تكريم نيلسون مانديلا بجنوب إفريقيا: أوباما يحذر من “سياسة الرجل القوي”.

1- دعا أوباما في كلمته، إلى مواصلة كفاح الزعيم الجنوب إفريقي الراحل ضد التمييز العنصري “لا الطائفي”. وقال أمام آلاف الحاضرين: “إن مثل هذا التمييز لا يزال حقيقة واقعة سواء في الولايات المتحدة الأميركية، أو في جنوب إفريقيا ” وهي جرأة من أوباما، لا أحسنها في الحديث عن التميز الطائفي في لبنان.

2- ثم أضاف أوباما: “إن عقود التمييز أدت إلى وقوع كثير من عدم المساواة والفقر” وهذه أيضاً جرأة من الرئيس أوباما لا أحسنها. لأنني لا أستطيع الحديث بتاتاً عن عقود التمييز بين اللبنانيين الّتي أتت بنتائجها الكارثية عليهم.

3- وتابع أوباما قائلاً: “إن كثيراً من الناس الّذين يشعرون بالتهديد من آخرين، لا يبدون ولا يتحدثون مثلهم” وفي ذلك أيضاً جرأة من أوباما، لا أحسنها. فهل أستطيع أن أقول إن ثلثي اللبنانيين يشعرون بالتهديد من آخرين، دون أن يستطيعوا البوح بذلك، لكي لا يزج بهم في الأقبية ولا يتعرضون للمساءلة ولا تطير رؤوسهم في نهاية المطاف.

4- أشار أوباما إلى الغرب الذي يتبنى “الأجندات القومية الفاشية”. وهي جرأة منه. فهل يجرؤ أحد في لبنان على الحديث عن تبني الأجندات العنصرية والفاشية والطائفية (كرد وأشوريين وفلسطينيين وأرمن وآخر تلك الصرعات العنصرية ضد النازحين السوريين).

5- أحسن أوباما في توصيف أخلاقيات الرئيس مانديلا: ثائراً وحاكماً: “مانديلا في المقابل كان يمثل بالنسبة للمظلومين في العالم كله، الأمل في حياة أفضل. وأنا مؤمن (أوباما) برؤية مانديلا المتعلقة بالمساواة والعدالة الاجتماعيّة. فمانديلا كان عملاق التاريخ فهل يجرؤ أحد في لبنان اليوم للمطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعيّة؟ فهم أهون وأوهن من ذلك بآلاف الدرجات. فما بالك حين نسمع أوباما يقول بملء فمه: “إن مانديلا كان يلهم من زنزانته الصغيرة” الناس جميعاً ومن بينهم أوباما نفسه. فبربك من ألهموا عندنا! نكتب بمرارة عن ذلك. كنا نريد بينهم كما قال عمر بن الخطاب لمبعوثه: “أرسلناك داعياً لا جابياً”.

6-يقر أوباما أن “النظام الدولي لا يفي بوعوده” فهل يجرؤ أحدنا عن المجاهرة، أن الوعود اللبنانية أصبحت في خبر كان!! هل يجرؤ أحدنا أن يقف ويقول ذلك في وجه كذبة الوعود وناكثي العهود وناقضي العقود!

7- يجرؤ أوباما في توصيف ذلك حين لا أجرؤ أنا، عصفور الشوك لا الشرق في إمبراطوريات المال والسلطة، فيقول: “هذا يعود في جانب منه إلى إخفاق الحكومات والنخب.. إننا نعود الآن إلى طريق أكثر خطورة في ممارسة الأعمال”.

فهل نجرؤ أن نتحدث عن أيّ تقصير لأي زعيم أو رئيس أو نائب أو وزير، إلاّ إذا كان بصفة الوزير عمر مسقاوي: يذهب إلى صلاة الفجر في المسجد المجاور بالبيجاما وبيده شمسيته .. مهلاً، مهلاً يا للشناعة.. يا للهول.. من تطيير الرؤوس!!

8- نعود لنصوب مجدداًَ على عنوان “الرئيس القوي” بحديث أوباما، وليس أنا الذي هو أخف من “عصفور الشوك” في هذا الشرق بالإذن من توفيق الحكيم، أو في لبنان بالإذن من مارسيل غانم وكثيرين غيره من الإعلاميين الّذين أخذوا، يقول أوباما موضحاً: “إن سياسة الرجل القوي في تصاعد مستمر، حيث يتم الابقاء على الانتخابات و”مظهر ما” من مظاهر الديمقراطية. بينما يسعى هؤلاء الّذين هم في السلطة إلى تقويض كل مؤسسة أو قاعدة تعطي للديمقراطية معنى “فما هذا التمادي عند أوباما! هل أجرؤ أن أقول أنا مثله.

9- لا أستطيع أن أناقش في سياسة الرجل القوي، فتنهال عليك السهام، وتصبح بعد حين أثراً بعد عين ولا أستطيع أن أناقش في “الصوت التفضيلي” لتمرير نواب من خروم الشبك. ولا أستطيع أن أناقش في الحاصل الانتخابي، الّذي عين الحصص للطوائف والزعامات، فالحاصل الانتخابي وزع الحصص والصوت التفضيلي سمّى الأسماء. فعن أيّ انتخابات ديمقراطية تتحدثون، حين يعرف اللبنانيون سلفاً الحصص وأسماء من فيها.

10- أختم: أشكرك رئيس أوباما ترساً لي وتراثاً للبنانيين.

وفي المثل العربيّ القديم” صادف رأس السيل رأساً يصدعه! (مجمع الأمثال للميداني)

* – أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث

عاميات عبد الحميد بعلبكي في “حديث الشيخوخة”