هل ستبقى الليرة “محصنة” إزاء الاقتصاد المتهاوي؟

هل تنهار الليرة اللبنانية؟ هو السؤال الأكثر تردُّدًا على مسامع من يفقه في الاقتصاد أو من يصنّف نفسه “محللًا اقتصاديًا”. قد يضع بعضهم هذا التساؤل المشروع في كفّة واحدة مع سؤال آخر يفرضه الستاتيكو السياسي: هل تُشكّل الحكومة قريبًا؟ وبين الانهيار القريب والتشكيل القريب خطٌّ غير رفيع. فمتى استعصى الجواب عن السؤال السياسي، يبدو الجواب عن السؤال الاقتصادي واضحًا وصريحًا ولا خلاف حوله: أي حديث عن انهيار للعملة الوطنية مبالغٌ فيه وكلامٌ شعبي.

لا ينبع هذا الاستنتاج من التطمينات التي يطلقها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولا من حديث المسؤولين عن استقرار نقدي، بل من حقيقة رقمية وضرورة تفريقية لا يمتلك المواطن خيوطها ليفهم حقيقة الأمور.

على ثلاثة مداميك تُبنى اقتصادات الدول: الوضع المالي، الوضع الاقتصادي، والوضع النقدي. بالنسبة إلى الوضع المالي يبدو متعثّرًا نظرًا إلى تراكم الدين وخدمته وعجز المصارف عن التغطية أو قل عن انتشال الدولة من غرقها. الوضع الاقتصادي متزعزع ومؤشرات انهياره صريحة رغم إشارة كثيرين إلى حركةٍ جيدة في القطاعات المنتجة وعلى رأسها القطاع السياحي. ويتعزز هذا الواقع في ظل ركودٍ سياسي رهيب يلامس الاحتضار بعد تسويفٍ طال أمده في عملية تشكيل الحكومة، وارتباط الدعم المالي الذي أفضى إليه مؤتمر سيدر في تشكيل الحكومة وسداد نسبة 5 في المئة من عجز الكهرباء. هذه الصورة السوداوية يقابلها وضعٌ نقدي مستقرّ يحصّن الليرة ويبقيها على سعر الصرف المعهود منذ عشرات السنوات (1500 ليرة) وذلك بفضل الهندسات المالية التي رسمها مصرف لبنان مصحوبة باحتياطات قياسية لدى المصرف وصلت حدّ 44 مليار دولار من السيولة بالدولار، فضلًا عن احتياط الذهب المرتفع، وبالتالي لا يمكن الحديث عن خطر على الليرة.

ورغم أهمية الفصل ين الوضع النقدي والوضع الاقتصادي والوضع المالي، تبدو الصلة بينها شديدة العضوية، إذ إن العجز في الموازنة وتباطؤ النمو الاقتصادي/أو عدمه من شأنهما أن يمنحا المؤسسات الدولية ضوءًا أخضر لتصنيف لبنان ضمن الفئة السلبية أو غير المؤاتية للاستثمار وهو ما يُعدّ مؤشرًا خطيرًا يُدخل البلاد في مرحلة غير محسوبة العواقب.

إلى كل ما سبق، تُضاف أزمة قطاعٍ كان يُعدّ عصب الاقتصاد اللبناني ألا وهو القطاع العقاري الذي يعاني ركودًا رهيبًا وغير مسبوق في أعقاب تجميد القروض المدعومة من مصرف الإسكان وهو ما دفع بكثير من شركات التطوير إلى الإخلال بوعود التسليم أو إلى إعلان الإفلاس.

بناءً عليه، لا يبدو الوضع الاقتصادي مبشرًا رغم أن مؤشرات التعافي يمكن أن تتسارع في حال تشكيل الحكومة وإطلاق عجلة الإصلاح الاقتصادي المنشود قبل فوات الأوان.

رامي قطار- “الأنباء”