أزمة أخلاق وشورى منظمة ومسؤولة!/ بقلم عزيز المتني

كان كمال جنبلاط يشدد على أن السياسة هي شرف وفن قيادة الرجال إلى مراقي العز والنضال الحقيقي الوطني الجامع.. وان الأخلاق هي التي يجب أن تكلل وتتوّج مسيرة هذا النضال وترتقي بالمناضلين إلى مصاف الشهود والأبطال والشهداء.

ولقد كشفت مسيرة تأليف الحكومة العتيدة كل أصناف التعالي وروحية التفرد والتسلّط والتعدي على الصلاحيات وكل منطوق وروح الدستور ونصوصه بحيث يخيل للمرء اننا نعيش في ظل دكتاتورية متلبسة بشتى أنواع النعوت والمسميات، والتواصيف المبتدعة الغريبة عن روح الطائف ودستوره وأخلاقه وتوجيهاته وأدبياته.

دستور الطائف اناط بصلاحيات السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وسمَى رئيس الحكومة رئيساً لمجلس الوزراء هو الذي يتحدث باسمه ويمثّل الحكومة وسياساتها وليس رئيس الجمهورية.

والحديث عن حصة وازنة للرئيس ولحزبه تصل إلى حدود الثلث المعطل هي بدعة البدع واعتداء صارخ على روح الطائف ونصوصه ومنطلقاته. فالطائف جعل الحكم والحكومة شورى منظمة بين مكونات هذا الوطن وهذا الشعب بحيث لا تتحول إلى دكتاتورية مقنعة ولا إلى فوضى.

وما يحكى عن حقائب وزارية من الدرجة الأولى لطوائف معينة من الدرجة ذاتها هو اعتداء صارخ على مفهوم النظام البرلماني الدستوري.

وفي هذا المجال، لا مناص من التذكير بأن كمال جنبلاط تولى خلال ولاية حكم الرئيس فؤاد شهاب وزارات التربية الوطنية والداخلية والبلديات والأشغال العامة يوم كانت وزارة الأشغال تضم كل مصالح ومديريات المياه والكهرباء كما تولى وزارة  التصميم العام ووزارة الهاتف والبريد. وتضمن مرسوم  التشكيل نصاً كلف كمال جنبلاط بموجبه تولي مهمة التنسيق مع بعثة “إيرفد” للإنماء لتنفيذ توصياتها ومقترحاتها لإعادة بناء مؤسسات الدولة وظل كمال جنبلاط يلتقي رئيس البعثة الأب جوزيف لوبريه الفرنسي الجنسية اسبوعياً وطول سنتين على الأقل، إلى أن صدرت مراسيم إنشاء مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي الإداري والمالي وخلافه… إلى أن صدر مرسوم انشاء  المصرف المركزي (مصرف لبنان) وصولاً إلى صدور مرسوم انشاء الضمان الإجتماعي وإصلاح القضاء وتحصينه والحفاظ على استقلاله.

وكان كمال جنبلاط وراء تضمين قانون الانتخابات النيابية نصاً يقول بتحقيق المناصفة في عدد النواب بين المسلمين والمسيحيين لأول مرّة منذ الاستقلال سنة 1943 وقبل ثلاثين سنة من وضع اتفاق الطائف الذي صار دستوراً للبلاد.

المهم والأهم ان ما يحاولون اليوم تصويره بأنه أزمة حكم وصلاحيات وتعدٍ صارخ على الحكم وكل الصلاحيات هو أولاً وأخيراً أزمة أخلاق في التعاطي السليم الصحيح في شؤون السياسة والبلاد والعباد وتحديد احجام وتوزيع حقائب وزارية على أسس لا يرتضيها منطق ولا مواطنة، وقبل هذا وذاك لا يقبل بها منطق مفهوم السياسة الوطنية الجامعة وأسلوب التعاطي والتفهم والتفاهم بين مكوّنات هذا الوطن.

كان كمال جنبلاط يقول: ليس على المستوى الحضاري كمٌّ وعددٌ وإحصاء.

وقال الشاعر العربي: “وإنّما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت فإن همُ ذهبت لأخلاقهم ذهبوا”.

(الأنباء)