غزو الكويت واجتياح لبنان

طوني فرنسيس (الحياة)

قبل أيام قليلة مرت 28 سنة على الغزو العراقي للكويت. حصل ذلك مطلع شهر آب (أغسطس) 1990 عندما دفع الدكتاتور العراقي صدام حسين قواته إلى دولة الكويت العربية المستقلة، عضو جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الإقليمية والدولية، الدولة المستقلة منذ 1961، وصاحبة أول دستور عصري في المنطقة منذ 1962. ارتبكت سلطات عربية كثيرة للوهلة الأولى. كانت هناك قمة عربية مقررة لبحث التهديدات العراقية للدولة الخليجية صبيحة يوم الغزو. مكان القمة القاهرة. لم تنعقد الجلسة الافتتاحية بعد ورود أنباء الغزو. بعض العرب طرحوا التوسط مع المعتدي قبل اتخاذ أي موقف. لبنان الذي كان ممثلاً برئيس الحكومة سليم الحص بادر إلى إصدار بيان من القاهرة يدين الغزو جملة وتفصيلاً.

يروي الأمير خالد بن سلطان في كتابه «مقاتل من الصحراء» مجريات ذلك النهار: «عندما علم الملك فهد بخبر غزو العراق الكويت، وكان ذلك قبل الثانية صباحاً من يوم الخميس الثاني من أغسطس، لم يصدقه… حاول الملك الاتصال بصدام حسين عبر أحد هواتفه الخاصة… وهو لا يكاد يصدق ما يسمع. لكنه لم يتمكن من مكالمته. ولم يستطع الملك فهد التحدث إلى صدام إلا عند العاشرة من صباح ذلك اليوم… ويروى أن محادثتهما دارت على النحو التالي:

الملك: ما الذي أسمع؟

صدام: لا تشغل بالك، سأرسل إليك عزت إبراهيم…». في الثالثة بعد ظهر اليوم التالي «استقبل الملك فهد عزت إبراهيم، وقد أدهش الملك إصرار المبعوث العراقي على إبلاغه تأكيدات صدام حسين أن المملكة لن يصيبها أي أذى من جانب العراق. وأجابه الملك فهد: «أنني أناقش وضع الكويت وليس أمن المملكة العربية السعودية». وكان رد عزت إبراهيم: «لم أحضر إلى هنا لأناقش مسألة الكويت. لقد تصحح وضع الكويت الآن…جئت فقط لأطمئنكم على أمن المملكة».

فهمت السعودية رسالة التهديد، وشرعت في التحضير لأوسع تحالف بهدف تحرير الكويت وردع العدوان، وهو ما حصل بعد شهور قليلة.

كان صدام مثله مثل خريجي المدرسة القومجية البعثية، يقهر شعبه بإسم الأمة وتحرير فلسطين. وقد سبقه في الممارسات نفسها زميله اللدود حافظ الأسد عندما أسس لاجتياح لبنان ومحاولة ضمه. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لقلنا إنه كان على الدول العربية التنبه إلى معنى ما جرى في لبنان، لأن غزو الكويت جاء تكراراً لسياسة الأطماع نفسها المغلفة برداء ممزق من القومجية الفارغة. هذه السياسة التي قامت، في آن معاً، على قمع الداخل وتكبير أوهامه، وقادت في النهاية إلى بلدين ممزقين شر تمزيق في العراق كما في سورية.

ومما يؤسف له أن بعض هذه الأوهام لا يزال قائماً. قبل أيام كادت مذيعة عراقية تتسبب بأزمة لهيئة الإذاعة البريطانية عندما «قررت» أن الكويت كانت جزءاً من العراق قبل عام 1920. ما اضطر ال «بي بي سي» إلى الإعتذار لاحقاً. تلك كانت إشارة إلى أن الأوهام والأطماع تجد من يغذيها من دون إلتفات إلى حقائق التاريخ التي تحسم وجود الكويت بزعامة آل الصباح، قبل أن ترسم جيرترود بل حدود العراق الحالية بعد انهيار نظام الولايات العثمانية في البصرة وبغداد والموصل، وهي الحقائق التي في حالة لبنان تؤكد قيام نظام الإمارة شبه المستقلة على مدى قرون، ثم الاستقلال الإداري الخاص في زمن المتصرفية منذ 1860، فيما كانت سورية ولايات عثمانية مباشرة.

ربما تكون مرحلة الأطماع القومجية انتهت، لكن مصائر بلدان عربية كثيرة لا تزال على المحك. فصدام ومن هم على شاكلته يرتدون الآن لباساً أخطر، فالمذهبية لا تقل خطورة، وإذا كانت القومجية جعلت طريق فلسطين تمر من القادسية إلى الكويت ولبنان، فإن المذهبية تجعلها تمر من مراقد حلب.