مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

الاعتبارات التي تُحدد موازين القوى الإقليمية، يشوبها بعض الإبهام، وهي خاضعة لتقييمات مختلفة، وهناك عدم اتفاق بين الجهات المختلفة حول ما إذا كانت التطورات الأخيرة قد أخلَّت بالتوازنات الإقليمية بالمطلق، أم أن هذه التوازنات ما زالت قائمة، وعند ذلك؛ لا يمكن التسليم بأن الطرف العربي قد أُصيب بهزيمة كاملة، ولا الأطراف الإقليمية الأُخرى قد حصدت نصراً مُبيناً لا لبس فيه.

يرى المراقبون أن هناك تراجعاً في السياسة العربية الموحدة في أكثر من مجال، وأن التدخلات الخارجية في شؤون بعض البلدان العربية؛ كان كبيراً ومؤثراً، وأن الدول الإقليمية المجاورة للجغرافيا العربية استفادت إلى حدود بعيدة من غياب التأثير العربي – أو على الأقل من التبايُن العربي حول بعض الملفات – وتجاوزت هذه الدول الإقليمية كل الحدود في تدخلاتها الخارجية، لاسيما في العراق وسوريا واليمن، واستغلَّت «إسرائيل» حالة الفوضى؛ لتتشدَّد في عدوانيتها ضد الشعب الفلسطيني، وفي تنفيذ مقاربات لم يكُن باستطاعتها تحقيقها في الماضي، ومنها خاصةً: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإقرار قانون يهودية الدولة.

رغم كل ذلك، وبصرف النظر عن مدى التضحيات الجسام، التي قُدمت على مذبح التدخلات الخارجية، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن وفلسطين؛ يرى مطلعون على مجريات الأحداث أن شيئاً من التوازنات الاستراتيجية ما زالت قائمة في المنطقة، كما أن الرؤية التي تستند إلى أن العرب ينتظرون ماذا يقرر في الخارج حول مستقبلهم؛ ليتماشوا مع هذه القرارات؛ غير صحيح على الإطلاق.

من وجهة النظر المصرية مثلاً، لا يجوز اعتبار الدور الروسي معادٍ للطموحات العربية. ولروسيا مصالح ودور يجب أخذه بعين الاعتبار، وسياستها قد تفيد في مكانٍ آخر ربما في تقليص نفوذ «الانفلاش» الإيراني أوالتركي في الساحة العربية؛ إذ إن هناك تعارُضاً حتمياً بين طموحات بعض الدول الإقليمية الكبرى والدور الروسي على المدى البعيد، والتعايُش بينهما لأمدٍ طويل فيه شيء من الصعوبة.

ومن الناحية الأُخرى، فإن الاضطراب وعدم الاستقرار في مواقف الولايات المتحدة، يدفع باتجاه إبقاء الخيوط مربوطة مع السياسة الروسية؛ ذلك أن الموقف الروسي لم يصل إلى حد الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الغاصبة.
يرى المراقبون، أن مصر تعاني مشكلات اقتصادية، ناتجة عن التزايُد السكاني الكبير، وعن تراجع تأثير الإنتاج الزراعي والصناعات المُتفرعة عنه في كل العالم وليس في مصر وحدها، وهذه الزراعة من ركائز الاقتصاد المصري. كما أن مستوجبات الحياة العصرية الحديثة؛ تفرض على مصر مواكبة التطورات، وبالتالي صرف مبالغ طائلة على الاستثمار في قطاعات الطاقة والاتصالات والأمن. ولكنّ المراقبين لا يوافقون على المقاربة التي تتحدث عن غياب الدور المصري عن تداعيات الأحداث في المنطقة؛ بل على العكس من ذلك، فالقاهرة تراقب ما يجري، وهي لا تسمح بإحداث تغييرات جوهرية على الخريطة الشرق أوسطية لا تكون في مصلحة العرب.

ويقول متابعون للسياسة المصرية، إن القاهرة تتابع عن كثب ما يجري في سوريا وفي لبنان وفي اليمن، وهي تعد أن تعارض المصالح الإقليمية والدولية قد يُفيد على المدى البعيد، وفي ذات الوقت قد يسبب إخفاقات كبيرة، إذا ما تمَّ التصدي له بعشوائية؛ لأن اللحظة السياسية لا تسمح بفتح جبهات متعددة ضد التدخلات الخارجية، خصوصاً أن جزءاً واسعاً من هذه التدخلات استحضرته أيادٍ عربية، أو أنه كان بواسطة مجموعات عربية لديها التزامات خارجية مع جهات غير عربية.
ويُضيف هؤلاء، أن مصر لن تسمح بخروج الأوضاع عن السيطرة في المنطقة، وهي لا تسكت عن أي تمادي قد يُسبب أذى استراتيجي للمصالح العربية، إلا أنها في الوقت ذاته ليست مع توسيع العداء للقوى المجاورة للساحة العربية، وهي لا تنتظر ما يقرره الآخرون، لكي تتماشى معه؛ بل إن عوامل القوة العربية ما زالت قادرة على إفشال أي جنوح يمكن أن يُهدد الأمن القومي العربي على نحوٍ واسع.
إن تسارُع التطورات في أكثر من بلدٍ عربي – ومنها ما جرى من تطورات في مصر قبل يونيو/حزيران 2014 – كان أكبر من المتوقَّع، وقد أربكت هذه التطورات الدول العربية برُمتها، ويرى متابعون أن الفرصة ربما تكون متاحة اليوم؛ لتعاون عربي معقول يضع حداً لسياسة الانهيار، التي حصلت في الماضي القريب، ويبني تفاهمات مستقبلية أفضل مما كان عليه الوضع في السابق.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية