الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

فيصل مرعي

منذ سبعين سنة ونيّف، ولبنان يتأرجح صعوداً، فنزولاً، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً.. فتارةً يكون على قاب قوسين او ادنى من الانهيار واخرى في حالة من الازدهار. والسبب في ذلك ان الازمة تلو الازمة، والمماحكات، والتجاذبات السياسية على اشدّها، وعلى قدم وساق، دون الالتفات الى تعزيز الوحدة الوطنية، وتثبيت السلم الاهلي والعمل على نشل الطائفية من النفوس والنصوص.

وبسبب ذلك يترنح اللبنانيون في كل فترة تحت ضربات حرب ضروس دون ان يأخذوا العبر والعظات، ما احدث فرقة وتباعداً بين الحين والآخر، نتيجة هذه الطائفية المقيتة، والتسابق على النفوذ، وعلى الاستئثار بأحادية السلطة، والحكم، والتحكم بالقرار السياسي، بعيداً عن المشاركة في الحياة السياسية بالتوازي بين كل مكونات الوطن واطيافه.

ومع ذلك بقي الوطن وطن الجميع، بالرغم من ان رياحاً هوج، كادت تقطع اوصاله، وتضرب كيانيته في العمق. هذا هو السر العجاب في عدم انهيار هذا البلد، علماً ان كُثراً من الفاتحين والطامعين، والوصايات حاولوا عبر العصور والدهور، كسر جناحه، ظناً منهم كسْر ديمقراطيته ونموذجيته، ثبتاً لقدمهم على شاطئ هذا الابيض المتوسط، الا انهم لم يستطيعوا الى ذلك سبيلاً.

صحيح ان الازمة في لبنان في بعض جوانبها خارجية بسبب هذه التدخلات والاملاءات والتي كان لها الكثير من السوء والشؤم على هذا البلد، ولكن المشكلة والمعضلة الاساسية ليست خارجية بقدر ما هي داخلية، ابتداء من وضع “بروتوكول” 1864، وصولاً الى ميثاق 1943، الذي كان للمستعمر فيه اليد الطولى، والذي كان من اهم بنوده ارساء الطائفية السياسية التي جرّت الى امتيازات سياسية، واقتصادية.. وهنا بدا لنا ان هنالك عوامل خارجية، ولكن هذه العوامل لو لم يكن لها من مؤيد ومن مرتبط، لم نكن لنصل الى ما وصلنا اليه، من تناحر وتقاتل بين الفينة والفينة.

والمؤسف حقاً، انه مذ ذاك الوقت، لم يستطع، بل لم يحاول المسؤولون تخليص لبنان من ازماته وعثراته الا القلّة القليلة منهم.
والعجيب، انه راح البعض لا سيما منهم الطبقة السياسية، يُمعِن في تعميق الهوة بين اللبنانيين، واغراقه في وحول الطائفية المقيتة داخلياً، ظنا منهم الاستئثار بالسلطة السياسية، وتحقيق ما طاب وحَلا لهم من مشاريع جهنمية، وجلب وصايات على هذا البلد الامين.

وحتى اللحظة، ما زال لبنان يراوح مكانه بسبب بعض ساسته الذين كان ولا يزال همهم الاول والاخير الحفاظ على امتيازاتهم، والتنعم بخيراته وثرواته، فيما الاكثرية الساحقة تنوء تحت خط الفقر والعوز، حيث ان 40% من الشعب اللبناني يعاني حتى من تأمين لقمة عيشه اليومية، والسبب اننا ما زلنا ندور في فلك ميثاق 1943، وعقلية المستعمر الذي كان له اليد الطولى في إنتاجه. وقد حاول بعض الساسة تطوير منطق هذا الميثاق، ليجاري بعض الانظمة الديمقراطية في اوروبا مثلاً، الا انهم لم يوفقوا، بسبب اعتبارات عدة، لا مجال لذكرها.

هذا الميثاق اورثنا الجهل ، والتعصب، والتقاتل، والطائفية.. ومن ثمّ جاء اتفاق “الطائف”، الذي كنّ نستبشر به خيراً، والذي دعا الى بناء المؤسسات، والمناصفة في الحياة السياسية، واستكمال الوحدة الوطنية، وانجازات الاستقلال التام، بعد بسط الدولة سيادتها على كل التراب اللبناني.. الا ان معظم الطبقة السياسية ادارت الظهر له، ضاربة بعرض الحائط مضمونه الهادف الى بناء لبنان جديد، لا لبنان المزرعة وفدرالية الطوائف.

نهاية، للأسف ما زلنا نعمل بعقلية هذا الميثاق، علماً انه المطلوب التمسك بالثوابت، وفي مقدمها تطبيق اتفاق “الطائف” والالتزام بسياسة النأي بالنفس، ودعم مشروع الدولة..

ان التوافق السياسي والاجماع بين اهل السلطة ومكونات الشعب اللبناني، هو الاساس، وهو الذي يحصن لبنان، لا سيما لجهة القضايا المصيرية الكبرى والشائكة انقاذاً للبنان مما يعانيه ويتخبّط به..

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…

حلم راود اللبنانيين .. (وأي حلم؟!)